والثاني: بأنه، لو دخل عليه مَنْ شاء متَى شاء، لبَطَلَتْ هيبته وسقط وقعه، لكن المفهوم من كلام أكْثرَهِم أن الوجهين لَيْسَا بمطْلَقَيْن، بل إذا جلس للقضاء، ولا زحمة، وفي أوقات خلوته، والأظهر الكراهةُ في الحالة الأولَى دون الثانية.
وقوله في الكتاب "مجلسًا رفيقًا" مأخوذ من الرفق، واتبع فيه لفظ الشافعيِّ -رضي الله عنه- حيث قال: في أرفق الأماكن.
وقوله: "أن يتخذ المسجد" مُعْلَمٌ بالميم والألف والحاء والواو والله أعلم.
قَالَ الغَزَالِيُّ: الخَامِسُ: لا يَقْضِي فِي حَالِ غَضَبٍ وَجُوعٍ وَحَالَةٍ يُسْرُعُ إِلَيْهِ الغَضَبُ فِيهَا أَوْ يَدْهَشُ عَنْ تَمَامِ الفِكْرِ، وَمَا يَحْكُمْ بِهِ فَيَكْتُبُ بِهِ مَحْضَرًا دِيوَانِيًّا يَحْفَظُهُ فِي خَرِيطَةٍ مَخْتُومَةٍ حَتَّى لا يَنْسَى، وَيُعْطِي صَاحِبَ الحَقِّ مِنْهُ نُسْخَةً أُخْرَى، وَهَلْ يَجِبُ ذَلِكَ إِنْ طَلَبَهُ صَاحِبُ الحَقِّ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: فيه مسألتان:
إحداهما: لا يقضي القاضي في حال الغَضَب، لما رُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ يَقْضِي الْقَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَهُوَ غَضْبَانُ" (?) وكذلك لا يقضي في كل حال يسوء خلقه فيها، ويتغيَّر عَقْلُه، كجوع وشبع مفرط، ومرضٍ مؤلمٍ، وخوفٍ مزعجٍ، وحزنٍ، وفرحٍ شديدٍ، وكغلبةِ نُعاسٍ، ومَلاَلٍ، وكذا لو حضره طعامٌ، ونفْسُه تتوقُ إليه أو آذاه أخبثاه، والمقصود أنه يتمكَّن من استيفاء الفكر والنظر، وقد رُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يَقْضِي الْقَاضِي، إِلاَّ وَهُوَ شَبْعَانُ رَيَّانُ (?) " ثُمَّ هاهنا كلمتان:
إحداهما: قولنا: "لا يقضي القاضي في حال الغضب (?) " نَظْمٌ قد نعني به أن فعله مكروهٌ، وقد نَعْنِي به مجرد أولوية التَّرْك، وهذا من القبيل الأول، فقد صرح بالكراهية