واحد، فلا يجلسُ للقضاء في كن كبير، وإن أقام على بابه من يأذن له؛ لأنه لا يظهر جلُوسُه فيه، ولا يهتدى إليه الغرباء، نَزِهًا، لا يُؤْذِي فيه الحَرُّ، والبرد، والروائح، والغُبَار، والدُّخَان، فيجلس للصيف، حيث يليق به، وللرياح والشتاءِ حَيْثُ يليق به، واستحب أبو عبيد بنُ حربويه وغيره أن يكون موضعُ جلوسه مُشْرِفًا؛ كدِكَّةٍ ونحوها؛ ليسهل عليه النظَرُ إلى الناس، وعليهم المطالبة؛ وحَسُنَ أن توطأ له الفُرُشُ، وتُوضعَ الوسائدُ؛ ليعرفه كلُّ واحد؛ وليكون أهْيَبَ عند الخصوم، وأرفق فلا يُمَلَّ، والأَوْلَى أن يكون مستقبل القبلة (?)، ولا يتكئ.

الثانية: المُسْتَحبُّ أَلاَّ يُتَّخَذَ المسجدُ مجلسًا للقضاء، وهل يُكْرَهُ اتخاذهُ مجلسًا فيه؟ وجهان:

أحدهما: لا، وبه قال مالك وأحمد -رحمهما الله- وكذلك أبو حنيفةَ في إحْدَى الروايتين، كما لا يُكْرَهُ الجلوس فيه للفتوى، وتعلُّم القرآن، والعِلْم.

وأصحهما: نعم، لما رُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمُ صِبْيَانَكُمْ وَمَجانِينَكُمْ، وَسَلَّ سُيُوفِكُمْ، وَخُصُومَاتِكُمْ، وَرَفْعَ أَصْواتِكُمْ" (?) ومعلوم أن مجلس القضاء ترتفع فيه الأصوات، وقد يحتاج فيه إلى إحضار الصبيان والمجانين، وأيضًا، فقد تحضره الحُيَّضُ والكُفَّار والكراهة في إقامة الحَدِّ في المسجد أشدُّ؛ لخوف التلْوِيثِ مع رفع الصوت، ثم كراهية اتخاذ المسجد مجلسًا على التنزيه دون التحريم، فلا يأثم به، قال أبو الحسن العَبَّادِيُّ: ولا يدع الخُصُومَ يجتمعون فيه ويتشاتمون، ولكن يَقْعُدون خارج المسجد، وينصب من يدخل عليه خصْمَيْن خصْمَيْن، ولو اتفقت قضية أو قضايا وقْتَ حضوره المسْجِدَ للصلاة أو غيرها، فلا بأس بفصلها.

الثالثة: عن الصيدلانيِّ رواية وجهين: أنه هل يُكْرَه أن يتخذ القاضي حاجبًا وبوَّابًا؟ ويمكن أن يُوَجَّهَ أحدهما بما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ وَليَ مِنْ أُمُورِ النَّاسِ شَيْئًا فَاحْتَجَبَ حَجَبَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015