وإذا قلَّد الأعمى في القبلة، ويُحْرِم بالصلاة، فقال له من هو أعلم من مقلَّده: أخطأ بك، فالقياس، أن يخرج على هذا الخلاف، لكن أطلقوا الجواب أنه كتغير اجتهاد المجتهد، على ما مرَّ في باب الاستقبال.

فَرْع: لا يجبُ أن يكون للمجتهد مذْهَبٌ مدوَّن؛ فإنَّ علماء الصحابة -رضي الله عنهم- لم يدونوا، وإنما كانوا يجتهدون في النوازل بحسب الحاجة، وإذا دونت المذاهب، فهل يجوز للمقلِّد أن ينتقل من مذهب إلى مذهب؟ إن قلنا: يلزمه الاجتهاد في طلب الأعلم وغلب على ظنه أن الثاني أعلم، وجب أن يجوز، بل يجب، وإن قلنا: يتخيَّر، فينبغي أن يجوز أيضاً، كما لو قَلَّدَ في القبلة هذا أياماَ، وهذا أياماً، ولو قَلَّدَ مجتهداً في مسائل وآخر من مسائل أخرى، واستوى المجتهدان عنده، أو قلنا: إنه يتخيَّر فالذي يقتضيه فعل الأولين الجواز؛ لأنهم كانوا يسألون تارَةً من هذا من غير نكير.

وأيضاً، فإن الأعمى إذا قلْنا: إنه لا يجتهد في الثياب والأواني، يجوز له أن يقلِّد في الأواني المشتبهة بصيراً، وفي الثياب غَيْرَه، لكن الأصوليون منعوا منه للمصلحة، وحكى الحناطي وغيره عن أبي إسحاق، فيما إذا اختار من كل مذهب ما هو أهون عليه، أنَّه يفسق به، وعن ابن أبي هريرة أنه لا يفسق (?)، والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015