تأمَّلها، عرف أنهم صحَّفُوا، وأن الكاتب أراد أنه قال: أنتِ طالق إن، ثم أمسك بعد إنْ، ولم يذكر شَرْطاً.
وليتأمل المفتي الاستفتاءَ كلمةً كلمةً، وليكن اعتناؤه بآخر الكلام أشدَّ لأنه موضع السؤال، وليتثبت في الجواب، واضحةً كانت المسألةُ أو مشكلةً، وحسن أن يشاور في الجواب من عنده، وهو يصلح لذلك، إلا أن يكون فيها ما لا يحسن إظهاره وله أن ينقط مواضع الإِشكال، وأن يصلح ما يرى فيه من خطأ ولحن فاحش، وإذا رأى في آخر بعض السطور بياضاً شغله بخط، بما قصد تغليطه كما يُقال: إنه كتب إلى القاضي أبي حامد، ما يقول فيمن مات وخلف بنتاً واحدةً؟ وجعلت هذه الكلمة في آخر سطر، وكُتِبَ في السطر الذي يليه، وابن عم، فأجاب؛ للبنت النصف، والباقي لابن العم، فألحق بموضع البياض، وأباً، وغلط في الجواب.
وليبين المفتي بخطِّه، وليكن قلمه بين قلمين ولو كتب مع الجواب حجَّةً من آية وخبر فلا بأس.
ولا يعتاد ذكر القياس وطرق الاجتهاد، ولكن لو تعلَّق الفتوى بقاضٍ، حسن أن يومئ إلى طريق الاجتهاد، وإذا رأى في الرقعة جواب من لا يستحق أن يفتي، لم يُفْتِ معه، قال الصيمَرِيُّ -رحمه الله-: وله أن يضرب عليه بإذن صاحب الرقعة ودون إذنه، ولا يحسبها إلا بإذنه، ولم يستحبُّوا أن يكون السؤال بخطِّ المفتي، ومهما تغيَّر اجتهاد المجتهد، دار المقلد معه، وعمل في المستقبل بقوله الثاني، ولا ينقض ما مضى، ولو نكح المجتهد امرأةً خالعها ثلاثاً؛ لأنه رأى الخُلعْ فسخًا، ثم تغير اجتهاده، قال صاحب الكتاب في "الأصول": يلزمه تسريحُها، وأبدى تردداً فيما إذا فعل المقلِّد مثل ذلك، ثم تغير اجتهاد مُقَلِّده قال: والصحيح أن الجواب كذلك، كما لو تغيَّر اجتهاد مقلده والمقلِّد في الصلاة، فإنه يتحوَّل.
ولو قال مجتهدٌ للمقلِّد والصورةُ هذه أخطأ بك من قلِّدتَّه، فإن كان الذي قلده أعلم من الثاني أو استويا، فلا أثر لقوله، وإن كان الثاني أعلم، فالقياس أنَّا إن أوجبنا تقليد الأعلم، فهو كما لو تغيَّرَ اجتهاد مقلَّده، وإلا فلا أثر له (?).