أحدها: المتبحران في مذهب واحد، قد يختلفان في المسألة؛ لاختلافهما في قياس أصوله، ومنْه يتولَّد وجوه الأصحاب، ونقول: بأيهما يأخذ العامي؟ هو كما سنذكره فيما إذا وجد مجتهِدَيْن.
الثاني: إنْ نَصَّ صاحب المذْهَب على الحُكْم والعلَّة، وألحق، بتلْك العلَّة غيْرَ المَنْصُوص بالمَنْصُوص، وإن اقتصر على الحُكْم، فهل يستنبط العلَّة، ويعدي الحكم بها؟ حُكي. والذي عن الإِمام محمد بن يحْيَى -رحمهما الله- المنع من ذلك، وإنما جاز في نصوص الشارع؛ لأنه تعبدنا، وأمرنا بالقياس، والأشبه بصنيع الأصحاب خلافُه، ألا تراهم ينقلون الحكم ثم يختلفون في أن العلة كذا وكذا وكل منهم يطرد الحُكْم في فروع علَّته.
الثالث: اختار الشيخ أبو إسحاق الشيرازيُّ -رحمه الله- أنه إذا نَصَّ في واقعة على حكم، وفي أخرى بشبهها على نقيضه، لم يجز نقل قوله من إحداهما إلى الأخرى، وتخريجها على قولين، وإن ما يقتصر على ما يقتضيه قول المجتهد، لا يجوز أن يُجْعَل قولاً له، إلا إذا لم يحتمل الفرق مثل أن يقول ثَبَتَتِ الشُّفْعَة في بيع الشِّقْص من الدار، فيجوز أن يُقَال: قوله في الحانوت كذلك.
والمشهور في المذهب خلافُ ما اختاره، نعم، الأَوْلَى أن يُقَالَ: إِنه قياسُ أصله أو قوله، ولا يُقال: إنه قوله. ويجوز للمفْتِي أن يشدد في الجواب بلفظٍ هو مُؤَوَّلُ عنه زجراً وتهديداً في مواضع الحاجة (?).
سُئل ابنُ عبَاس -رضي الله عنه- عن توبة القاتل فقال: لا توبة له، وسأَلَهُ آخر، فقال: له توبة ثم قال: رأيتُ في عَيْنَي الأول، أنَّه يقصد القتل، فمنعته، وكان الثاني صاحبَ واقعةٍ يطلب المَخْرَج.
الجملة الثانية في طرف المستفتي: وعليه مراجعة المُفْتِي، والسؤال عنه، وإنما تَسْأَل من عَرَفَ علمه وعدالته، فإذا لم يَعْرِف العلْم، بحث عنه بسؤال الناس، وإن لم يَعْرِف العدالة، فلصاحب الكتاب فيه احتمالان، ذكرهما في الأصول:
أحدها: أن الجواب كذلك، وأشبههما الاكتفاء، فإن الغالب من حال العلماء