وأصحُّهما: أنه يجوز تقليده، والأخْذُ بقوله، كما إذا شَهِدَ الشاهِدُ، ثم مات يجوز الحُكْم بشهادته، والمسألة المُسْتَشْهَدُ بها ممْنُوعة، ولو بَطَل قول القائل بموته، لَبَطَل الإِجْمَاع بمَوْت المجْمِعِين، ولصارت المسألة اجتهاديةً، وأيضاً فالخَلْق كالمتَّفقين على أنه لا مجتهد الْيَوْم (?) فلو مَنَعْنا من تقليد الماضيين لتركنا الناس حَيَارَى، وبنوا على هذين الوجهين، أنَّ مَن عَرَف مَذْهب بعض المجتهدين وتبحَّر فيه، لكنه لم يبلْغُ رتبة الاجتهاد، هل له أن يفتي؟ وهل يُؤْخَذُ بقوله؟ إن قلْنا بالوجه الأوَّل، فلا يجوز، وإن قلنا بالثاني، الأصح، يجوزُ الأخذ بقوله، كأنه لا يقلّده وإنَّما يقلد ذلك المجتهد، هكذا صوروا هذا الفرع.

ولك أن تقول: إنْ كان المأخَذُ ما بيَّنَّا، فلا فرق بين أن يكون متبحِّراً، أو غير متبحِّر، بل العامِّيُّ، إذا عَرَف حُكْم المسألة عنْد ذلك المجتهد، فأخبر عنه، وأخذ غيره به تقليداً للمجتهد الميت، وجب أن يجوز على الأصحِّ (?). إذا جوَّزنا الفتوَى إخباراً عن مذْهَب الميِّت، فإنْ عَلِم مِنْ حاله أنه يُفْتِي عَلَى مذْهبٍ واحدٍ معيَّنٍ كفى إطلاق الجواب منه، وإلا فلا بدّ أن يضيفه إلى صاحب المَذْهَب، وليس للمجتهد أن يقلِّد مجتهداً آخر لا ليعمل به، ولا لِيُفْتِيَ به غيره ولا إذا كان قاضياً ليقضي به، خلافاً لمالك وأحمد -رحمهما الله- فيما حكاه في "البَحْر"، ولأبي حنيفة -رحمه الله- في القَاضي.

لنا: أنه يجد ما يتوصّل به إلى معرفة الحُكْم، فلا يجوز له تَقْليد، كما في العقليات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015