يلزم ويلغو النذرُ به قال أبو حنيفة، وهو الذي رجَّحه العراقيون، والرويانيُّ وغيرهم -رحمهم الله- لما رُوُيَ عن جابر أن رجلاً قال: يا رَسُولَ اللهُ، إِنِّي نَذَرْتُ، إن فَتَحَ اللهُ عَلَيْكَ مَكَّة، إنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ رَكْعَتَيْنِ، فَقَاَل: "صَلِّ هاهنا فَأَعَادَ عَلَيْهِ، فقال: صَلِّ هاهنا ثَلاَثاً" (?) ومعلوم أن هذا النذر يتضمن الإِتيان، ولأنهما لا يقصدان بالنسك.
فأشبها سائر المساجد.
التَّفْريع: إذا قلنا: يلزمه إتيان المسجد الحرام، وهو المذهب، فقد ذكر الصيدلانيُّ وغيره؛ أنا إن قلْنا: النذر يُحْمَلُ على الواجب شرعاً، فعليه حج أو عمرةٌ، وبهذا أجاب الشافعيُّ -رضي الله عنه- في المسألة، وهو الظاهر، وإنما تتم القُربَّةُ في إتيانه بالنسك المخصوص به، وإن قلنا: لا يُحْمَلُ على الواجب، فنبني عَلَى أصل آخر؛ وهو أنَّ دُخُول مكة، هل يقتضي الإحرام بحج أو عمرة، إن قلنا: نعم، فإذا أتاه، فعليه حج أو عمرة، وإن قلنا: لا، فهو كَمسجد المدينة والمسجد الأقصى، وفيه القولان، في أنه هل لا يلزم إتيانه.
والئفريع: إذا قلنا: يلزم إتيانه، كالتفريع على المسجدين، وإذا أوجبنا إتيان مسجد المدينة والمسجد الأقصى، فهل يلزمه مع الإِتيان شيء آخر؟ فيه وجهان عن رواية الشيخ أبي علي وغيره -رحمهم الله-:
أحدهما: لا؛ لأنه لم يلتزم شيئاً سوى الإتيان، ونفس الإِتيان (?) والزيارة قُرْبة، واعترض الإِمام بان من قال بهذا الوجه؛ ماذا يقوَل، لو أنْ باب المسجد وانصرف؟ إن قال: يكفيه ذلك، فقد أبعد؛ لأنه لا قُرْبَة فيه، بل هو قريبٌ من العبث، وإن قال: يدخل المسجد، فالدخول من غير اعتكاف وعبادة، لا قربة فيه، بل نُهِيَ عن طروق المَسَاجِدِ إلا لحاجةٍ (?).