ولو قال: أمشي إلَى بيت الله، أو آتيه، ولم يذكر الحرام؛ فوجهان، أو قولان:
أحدهما: أن مطلق يُحْمَلُ على البيت الحَرَام؛ لأنه السابق إلى الفَهُم، فيصير كالمذكور.
وأصحهما: أنه لا ينعقد نذره إلا أن ينوي البيت الحرام؛ لأن جميع المساجد بيْتُ الله تعالَى، وظاهر ما نقله المزنيُّ -رحمه الله- يوافق الأول، والقائلون بالثاني نسبوه إلى الإِهْمَال، وربما أَوَّلُوا.
ولو قال: أمشِي إلَى الحرم، أو إلى المسْجِدِ الحرام، أو إلى مكة، أو ذكر بقعة أخرَى من بقاع الحَرَمِ؛ كالصفا والمروة ومسجد الخِيفِ ومِنًى ومزدلفة ومقام إبراهيم وقبة زمزم وغيرها، فهو كما لو قال: إلَى بيت الله الحرام حتى لو قال: آتي دار أبي جهل، أو دار الخَيْزَرَان، كان الحكم كذلك؛ لشمول حرمة الحرم بتنفير الصيد وغيره، وعن أبي حنيفة -رحمه الله- لا يلزمه المشْيُ، إلا أن يقول: إلَى بيت الله الحرام، أو إلى مكة، أو إلى الكعبة، أو مقام إبراهيم، ولو نذر أن يأتي عرفاتٍ، فإن أراد التزام الحج، وعبَّر عنه بشهود عرفة، ونوى أن يأتيها مُحْرِماً، انعقد نذره بالحج، وإن لم ينوِ ذلك، لم ينعقد؛ لأن عرفات من الحِلِّ، فهو كما لو نذَرَ إتْيَان بلد آخَرَ وعن ابن أبي هريرة: أنه إن نذر إتيان عرفات يوم عرفة لزمه أن يأتيها حاجّاً، وقيَّد في "التتمة" هذا الوجه بما إذا قال: يوم عرفة بعد الزوال، وعن القاضي الحُسَيْن الاكتفاء بأنْ يخطر له شهودُهَا يوم عرفة، وربما قال بهذا الجواب على الإِطلاق.
ولو قال: آتي مر الظهران، أو بقعة أخرَى قريبةٍ من الحَرَمِ، لم يلزمه شيء ولا فرق لزوم الإِتيان بين لفظ المشي والانتقال والذهاب والمضي والمصير والمسير ونحوها, ولو نذر، أن يضرب بثوبه حطيم الكعبة (?)، فهو كما لو نذر إتيانها، وعن أبي حنيف: أنه لا يلزمه شيء إلا بلَفْظِ المَشْيِ.
ولو نذر؛ أن يأتي مسجد المدينة، أو مسجد إيلياء، وهو المسجد الأقْصَى، فهل يلزمه إتيانهما؟ فيه قولان: قال في البُوَيْطِيُّ: يلزم، كالمسجد الحرام، قال مالك وأحمد، وهو اختيار أبي إسحاق -رحمهم الله-: لأن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- نصَّ عَلَى هذه المساجد الثلاث بالإِتيان، وشدِّ الرحال إليها، فقال: "لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاثةَ مَسَاجِدَ، الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، والمَسْجِدْ الأَقْصَى، وَمَسْجِدِي هَذَا" (?) وقال في "الأم": لا