ثلاثة أوجه؛ ثالثُهَا: الفرق بين المعذور وغير المعذور.
قَالَ الغَزَالِيُّ: وَلَوْ قَالَ: أَحُجُّ عَامِي هَذا فَتَعذَّر لِمَرَضٍ فَفِي لُزُومِ القَضَاءِ خِلاَفٌ، وَإِنْ تَعَذَّرَ بِإِحْصَارٍ فَلاَ قَضَاءَ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: من نذر حجًّا، فَيُسْتَحَبُّ له أن يبادر إليه في أول سِنِي الإمكان، وإن مات قبل الإِمكان، فلا شيء عليه، كما في حَجَّة الإِسلام؛ فإن مات بعده أَحج عنه من ماله؟ وإنْ عيَّن بنذره سنة تعيَّنت على الصحيح، كما في الصوم، فلو حج قبلها لم يُعتَدَّ به، لو قال: أحج عامي هذا، وهو على مسافة يمكن الحج منها في ذلك العام، فعليه الوفاء؛ تفريعاً على الصحيح، فإن لم يفْعَلْ مع الإِمكان، صار دَيْناً في ذمته يقضيه بنفسه.
فإن مات، ولم يَقْضِ الحج من ماله، لم يمكنه، قال في "التتمة" بأن كان مريضاً وقْت خروج الناس، فلم يتمكن من الخروج معهم أو لم يجد رفقة، وكان الطريق مخوفاً؛ لا يتأتى للآحاد سلوكه، فلا قضاء عليه لأن المنذور حَجٌّ في تلك السنة، ولم يقدر عليه، وهذا كما أن حَجَّة الإِسلام لا تستقر عليه، والحالة هذه، ولو صدَّه عدو أو سلطان بَعْدَ ما أحرم، حتى مضى العام، قال الإِمام -رحمه الله-: لو امتنع عليه الإحْرَامُ لمكان الصدِّ (?) فالمنصوص: أنه لا قضاء عليَه لحجة الإِسلام، إذا صُدَّ عنها في أول سنة الإِمكان، لا يلزم قضاؤها، وخرج ابن سُرَيْج قولاً، وبه قال أبو حنيفة والمزنيّ فيما حكَى الصيدلانيُّ: أنه يجب القضاء، كما لو قال: أصوم غداً، فأُغْمِيَ عليه فمضى الغد، يلزمه القضاء، وكما لو منعه مرض، وفات النذر أو منع؛ ألا ترى أنَّه لو نذر حجاتٍ كثيرةً، تلزم، ولا تلزم بالشروع إلا واحدة، وأنَّه لو نذر صلاةً في يومٍ بعينه، فأُغْمِيَ عليه، يلزمه القضاء ولا يلزم قضاء صلواتِ ذلك اليوم، وظاهر المذهب الأول.
وإن منعه عدوٌّ أو سلطان، وهَدَّدَه أو منعه ربُّ الدَّيْن، وهو لا يقدر على أدائه، ففي القضاء قولان:
أظهرهما: أنه لا يجب، وفيه طريق أخرَى قاطعةٌ بالوجوب، ويجريان معاً في العصر الخاصِّ في حجة الإِسلام، ولو منعه المرض بعد الإحرام، فالمشهور وجوب القضاء، ولا ينزل منزلة الصدِّ؛ ألا ترى أنه يتحلَّل عن إحرامه بالصدِّ، ولا يتحلل بالمرض؟ وذكر الإِمام، أن الأصحاب -رحمهم الله- خرَّجوه على الخلاف المذكور في الصدِّ، وكذلك حكى الخلاف فيما إذا امتنع عليه الحَجُّ في ذلك العام بَعْد الاستطاعة،