للِجُبْرَانِ وَجْهَانِ، وَقِيلَ: إنْ تَرَكَ بِعُذْرٍ أَيْضاً يَلْزَمُهُ الجُبْرَانُ، وَلَوْ تَرَكَ بَعْضَ الطَّرِيقِ وَمَشَى فِي بَعْضٍ فَالنَّصُّ أَنَّهُ إِذَا عَادَ للقَضَاءِ رَكِبَ حَيْثُ مَشَى وَمَشَى حَيْثُ رَكِبَ، وَقِيلَ: يَلْزمُهُ المَشْيُ فِي الجَمِيع.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: لا يخفى أن الحج والعمرة يلزمان بالنذر، وإذا نذر؛ أن يحج ماشياً أو يعتمر ماشياً، فهل يلزمه المشي، أم له أن يحج أو يعتمر راكباً؟ فيه قولان:
أصحهما: الأول، وهو الذي فرَّع عليه الشافعيُّ -رضي الله عنه- واشْتُهِرَ من نصِّه، وهما مبنيان على أن الحجَّ راكباً أفضل أو ماشياً؟ فيه قولان:
أحدهما: أن الركوب أفضل؛ لما رُوِيَ أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- حَجَّ رَاكِبًا (?)، وأيضاً ففيه تحمُّل زيادة مؤنةٍ، وإنفاقٍ في سبيل الله تعالَى.
وأصحهما: أن المشي أفضل؛ لأن التعب فيه أكثر، وقد اشْتُهِرَ أن. النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال لعاثِشةَ -رضي الله عنها- "أَجْرُكِ عَلَى قَدْرِ نَصَبِكِ" (?).
وحكى الصيدلانيُّ بدل القول الأول؛ أنهما سواء، وقد يوجد ذلك بتعارض المعنيين، وعن ابن سُرَيْج: التسوية بين المشي والركوب، ما لم يُحْرِم، فإذا أحرم، فالمشي أفضل، وقال المصنَّف -رحمه الله- في الإِحياء وينبغي أن يفصل ويُقَال: من سَهُلَ عليه المَشْيُ، فالمشي في حقه أفضل ومن ضَعُفَ عنه، وساء خُلُقُه لو مشى، فالركوب في حَقِّه أفْضَلُ، كما أن الصوم للمسافر والمريض، ما لم يؤدِّ إلى ضعف وسوء خُلُقٍ أفضل (?)، فإن قلْنا: إن الركوب أفضل، أو سوَّيْنا بينهما، فلا يلزمه المشي بالتعرُّض للمشي، وإن قلنا: المشي أفضل، لزمه ذلك؛ لأنه التزم في العبادة الملزمة زيادةَ فضيلةٍ، فصار كما إذا نذر الصوم متتابعاً.
واعلم أنا ذكَرْنا في الحجِّ أن الوقوفَ بعَرَفَةَ راكباً أفضل من الوقوف راجلاً على أظهر القولَيْن وههنا نجعل الحج ماشياً أفضل، والوقوف أعظم أركانه مكاناً، يريد بهذا حالة السير والحركة، وبذاك حالة اللبث والسكون، ثم يتفرَّع على قول لزوم المشي مَسَائِلُ:
إحداها: في بداية المشي، وهو مصَّدرٌ بأنه لو صرح بالتزام المشي من دويرة أهله إلى الفراغ من الحجِّ، هل يلزمه المشي قبل الإِحرام؟ فيه وجهان: