"المعرفة" واختاره عامة الأصحاب من العراقيين (?)، وغَيْرُهُمْ -رحمه الله- جزموا بالأوَّل، وحملوا الحديث على نذْر اللَّجَاج، وجعلوا ما رواه الربيع من كيْسه، وبعضُهُم يَحْكِي الخلافَ في المسألة وجهَيْنِ ويوافقه ما رُوِيَ عن صاحبِ "التقريب": أن إيجابَ الكفَّارة تخريجٌ للربيع، واستبعد الإِمامُ -قدَّس الله روحه- وجوب الكفارة، كما فعَلَهُ عامة الأصحاب، وقال: يجوزُ أنْ يُجْعَل النذر كناية عن اليمين، فأما إلحاقه بالأيمان مطْلَقاً، فلا معنى له.
القسْمُ الثَّانِي: الطاعَةُ، وهي أنواعٌ:
أحَدُهَا: الواجباتُ، فلا يصح نذرها؛ لأنها واجبةٌ بإيجاب الشرع ابتداءً، فلا معنى لالتزامها، وذلك مثل أن يقول: للهِ عليَّ أن أصلِّيَ الخمس, أو أصوم شهرَ رمضان, ولا فرق بين أن يعلِّقَ ذلك بحصول نعمة أو يلتزم ابتداءً، وكذا لو نذر ألاَّ يشرب الخمر ولا يزني، وإذا خالف ما ذكره، ففي لزوم الكفَّارة الخلافُ المذكور في القسم الأول، وادعى صاحبُ "التهذيب" أن الظاهرَ وجوبُها.
والثاني: العباداتُ المقصودةُ، وهي التي وُضِعَتْ للتقرُّب بها، وعرف من الشرع الاهتمامُ بتكليف الخلْقِ بإقاعها عبادة فيلزم هذا النذر بالاتفاق وذلك كالصوم والصدقة والصلاة والحج والاعتكاف، وذكر الإِمام أن فروض الكفايات التي تحتاج في أدائها إلى بذل مال أو معاناة مشقَّةٍ، يلزم بالنذر أيضاً؛ كالجهاد وتجهيز الموتى، ويجيء ما سنذكره في نذر السُّنَّن الراتبة وجْهٌ أنَّها لا تلزم، ورأيت في "الرَّقْم" للعبَّادِيِّ وجهاً عن القَفَّال: أنه، إذا نذر أن يجاهد، لم يلزمه شيء، وفي الصلاة على الجنازة، والأمر بالمعروف، وما ليس فيه بذْلُ مالٍ وكبيرُ مشقَّةٍ، حَكَى الإِمام وجهين:
أحدهما: لزومُها بالنذر أيضاً وكما يلزم أصل العبادة بالنذر، يلزم رعاية الصفة المشروطة في التزامها، إذا كانت مستحبةً، كما إذا شرط في الصلاة التي التزمها إطالَةَ