أحدهُما: قال أهل اللسان: حُرُوفُ القَسَم ثلاثةٌ، وهي الباء والواو والتاء، قالوا: والأصل الباء، وهي من صِلَةِ الحلِف أو الإقسام، فكان الحالف يقول: حلَفْتُ، أو أقسمت، أو يآلَيْتُ بالله، ثم لما أكثر الاستعمال، وفُهِم المقصود، حُذِفَ الفعل، ويلي الباء الواوُ، وآية قُصُورها عن الباء أن الباء تدْخُل على المُضمَر، كما تدخل على المُظْهَر؛ نقول: بِكَ وَبِهِ، لأفْعَلَنَّ كذا، بخلاف الواو، ويلي الواوَ الباءُ، وقد تقام الباء مُقَام الواو، كما في تُخْمة، وهي من الوَخَامة، وتُرَاث، وهو من قولهم وَرِثَ، وآية قصورها: أنها لا تدخل من الأسماء إلا على الله (?)، كما قال تعالَى: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ} [يوسف: 85] وقال: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} [الأنبياء: 57] ولا تدخل على سائر الأسماء، فإذا قال: تَاللهِ، لأفعلن كذا، فإن نوى اليمين، فلا شك أنه يمين على ذلك الفعل، وإن أطلق، فكذلك؛ لاشتهار الصيغة في الحلف عرفاً وشرعاً، وإن نوى غير اليمين؛ بأن قال: أردتُّ وثِقْتُ بالله أو اعتصمت بالله، أو أستعين بالله، أو أُومِنُ، ثم ابتدأت: لأفْعَلَنَّ، فالذي أورده أصحابُنا العراقيون -رحمهم الله- وعليه جرى صاحب "التهذيب" والقاضي الرويانيُّ وغيرُهم -رحمهم الله- أنه لا يكون يمينًا، وتصير النية صارفةً إلى المحلِّ المذكور؛ لاحتماله، واستبعد الإِمامُ ما ذكروه، وعدَّه زللاً منهم، أو خللاً من ناسخ، ونُقِلَ أنه لو نوى غير اليمين، وادعى التورية (?)، لم يُقبل ذلك فيما يتعلَّق بحق الآدميين، كما في صورة الإِيلاء، وهل يُقْبل فيما بينه وبين الله تعالَى؟.
عن القاضي الحُسَيْن: القطعُ بأنه لا يُقْبلُ أيضاً، وعن الشيخ أبي محمَّد الفوراني أن فيه وجهين:
أحدُهُمَا: القبولُ، كما لو قال لزوجته: أنتِ طالقٌ وزعم أنه أراد طلاقًا من وثاق، فإنه يَديَّنُ، وبل أولَى؛ لأن الطلاق أسرعُ نفوذًا.
والثاني: المنعُ؛ لأن الكفَّارة تتعلَّق باللفظ المحترم الذي أظهره ثم خالفه، وإظهار ما يخالف اللفظ لا يسقط ما ذكرناه من إظهار اللفظ ومخالفته، وحَكَى القاضي ابن كج: