يُقَالَ: ذكر اسم الله أو صفة من صفاته لا يكونُ قَيْدًا في حقيقة اليمين؛ ألا ترى أنه يُقَالُ: حلَفْتُ باللهِ، وحلَفْتُ بغير الله، وفي الخَبَرِ "لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائكُمْ" (?).
وقوله في الكتاب على الأثر "فتجب الكفَّارة" إلى آخره يُشْعر بأن المقصودَ ضبطُ اليمين التي تتعلق بها الكفَّارة لا حقيقة مجرَّد اليمين.
ثم تتعلق بالضبط المذكور صورٌ يشتمل الفصْلُ عليها:
إحداها: تنعقد اليمينُ على الماضي، كما تنعقد على المستقبل، فإن كان كاذبًا، وهو عالم بالحال، فهي اليمين الغموس، سُمِّيت به لأنها تَغْمِس صاحِبُها في الإِثم أو في النار، وهي من الكبائر؛ رُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "الْكَبَائِرُ: الشِّرْكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وَقَتلُ النَّفسِ، وَالْيَمِينُ الغَمُوسُ" (?) وتجبُ الكفارةُ بها، وتعلُّق الإِثم لا يمنع وجوبَ الكفَّارة، كما أن الظِّهَارَ منْكَرٌ من القول وزور، ويتعلَّق به الكفَّارة، وإن كان جاهلاً، ففي وجوب الكفارةِ قولان، كما لو فعل المحلوف عليه ناسياً، وقال أبو حنيفة ومالكٌ وأحمدُ -رحمهم الله-: لا يجب الكفَّارة باليمين الغَمُوس.
لنا: قولهُ تعالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ} [المائدة: 89] الآيةَ تعم الماضي والمستقبل؛ لأن لفظ اليمين يقع عليها؛ ألا تَرَى أن الحُكَّامَ يحلفون على الماضي أبداً، وقال -صلى الله عليه وسلم- "واليَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ" (?) وأيْضاً، فإنَّه حَلِفٌ باللهِ تعالى، وهو مختار، لكنه كاذبٌ، فصار كما لو حلف على المستقبل.
الثانية: من سبق لسانه إلى كلمة اليمينِ بلا قصدٍ؛ كقوله في حالة غضبٍ، أو احتداد لَجَاج أو عجلةٍ أو صلَةِ كَلاَم: لا والله، وبلى والله، لم ينعقدْ يمينهُ، ولم تتعلَّق به الكفَّارة؛ لقوله تعالَى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} رُوِيَ عن عائشةَ -رضي