السهم واستقراره، لا بحالة المرور، حتى لو قَرُب مروره من الغرض، ووقع بعيداً منْه، لم يحتسب به إلا إذا شرطوا اعتبار حالَةِ المُرُور، وِإنْ وقولُه في الكتاب "وِإنْ شرطوا إسقاط مركز القرطاس وما حواليه" أي: شرطوا أن يسقط إصابة المركز إصابة ما حوالَيْه، وحَكَى في "النهاية" بدل الوجهين قولَيْن، ووُجه المنْعُ بأنَّ وسط القرطاس قد يتعذّر قصده، وقد يصيبه الأخرق اتفاقاً، ونَسَب القولين إلى رواية العراقيين، ولا يكاد يوجد في كتبهم في إصابه أحدهما وسط القرطاس وإصابة الآخر ما حواليه، إلا ما حكيناه عن نصِّ الشافعيِّ -رضي الله عنه- وذلك في مطْلَق شرط إسقاطه للأبعد لا في إسقاط المركز ما حوله، والمفهوم مما ساقه الأصحابُ اتِّبَاعُ المَشْروط.
قَالَ الغَزَالِيُّ: في جَمِيعِ هَذِهِ الشُّرُوطِ إِذَا عَرَضَتْ نَكْبَةٌ مِنْ بَهِيمَةٍ تَعْتَرِضُ أَوْ سَهْمٍ أَوْ قَوْسٍ يَنْكسِرُ فَيُعْذَرُ صَاحِبُهُ حَتَّى لاَ تُحْتَسَبَ (و) عَلَيْهِ تِلْكَ المَرَّةُ إِلاَّ أنْ يَكُونَ الانْكِسَارُ لِسُوءِ صَنِيعِهِ فَيُحْسَبُ عَلَيْهِ لِيَتَعَلَّمَ، وَلَوْ أَصَابَ بَهيمَةً فَمَرَقَ وَأَصَابَ الهَدَفَ فَيُحْسَبُ لَهُ عَلَى أَحَد الوَجْهَيْنِ، وَإِن انْصَدَمَ بِشَجَرٍ ثُمَّ وَقَعَ عَلَى قُرْبٍ حُسِبَ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهٍ، وَإِنْ أَصَابَ فَهَلْ يُحْسَبُ لَهُ عَلَى وَجْهَيْنِ إِذْ قَدْ يُحْمَلُ عَلَى وِفَاقٍ، وَالرِّيحُ اللَّيِّنَةُ لاَ تُؤَثِّرُ، وَالعَاصِفُ المَقْرُونُ بابْتِدَاءِ الرَّمْيِ لاَ يُؤَثِّرُ وَفِي أَثْنَائِهِ هَلْ يُعْذَرُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَإنْ انْكَسَرَ السَّهْمُ بِنِصْفَيْنِ فَأَصَابَ بِالْمُنْقَطِعِ الَّذِي فِيْهَ الفَوْقُ حْسِبَ، وَإنْ أَصَابَ بِالنَّصْلِ مِنَ النِّصْفِ الأَخِيرِ فَوَجْهَانِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: غرض الفصل القول في النكبات التي تطرأ عند الرمي، وتشوشه، وذلك يعم شرط القَرْع والخَسْق وغيرهما؛ ألا تراه يقول في جميع هذه الشروط: "إذا عَرَضَتْ نكبةٌ" وإذا كان كذلك، فللمضايق يضايق في عدّ الفصل مضموماً إلى الشروط السابقة بقوله: "الخامسة كذا"؛ لأنه قال في أول النظر الثاني "والشرط صورٌ" وليس هذا من صور الشروط، والأصل الذي يبنى عليه أن السْهَم مهما وقع متباعداً عن الغرض تباعداً مفرطاً، إما مقصراً عن الغرض أو مجاوزاً، نُظِرَ؛ إنْ كان ذلك لسوء الرمي، فهو محسوب على الرامي، ولا يُرَدُّ السهمُ إليه؛ ليرميه مرة أخرَى، وإن كان لنكبة عرضَتْ، أو خلل في آلةِ الرمْي من غير تقصير من الرامي؛ فذلك السهْمُ غيرُ محسوبٍ عليه، وهذا الأصل يوضِّحه صُورٌ:
إحداها: إذا عرض في مرور السهم إنسانٌ أو بهيمةٌ، فلم يبلغ السهم، أو حدثت في يده علة، أو ريحٌ أخلَّت بالرمي، فلا يحسب تلْك الرمية عليه، بل يعيدها؛ لأن عدَم الإِصابة للنكبة العارضة لا لسوء رميه، فيعذر، وانقطاع الوتر وانكسار السهم والقوس، إن اتفق شيء منها بتقصيره وسوء رميه، فتُحْسَب الرمية عليه، ليتعلَّم وذلك مثل أن