أظهرهما: فساد العقد؛ لأن الأغراض تختلف بالبداية، والرماة يتنافسون فيها تنافساً ظاهراً من جهة المبتدئ بالرمي يجد الغرض نقياً لا خلل، فيه وهو على ابتداء النشاط، فتكون إصابته أقرب، وإذا كان كذلك تأثر العقد لإهماله.

والثاني: أنه يصح، وكيف يمضي؟ فيه وجهان، ويُقَال قولان:

أحدُهُما: أنه ينزل العقد على عادة الرماة، وهي تفويض الأمر إلى المسبق، فإن أخرج السبَقَ أحدُهُما، فهو أولَى بالبداية، وإن أخرجه غيرهما، قدَّم من شاء منهما، وإن أخرجاه جميعاً، حُكِّمَت القُرْعة.

والثاني: أنه يُقْرع بينهما بكل حال، والقرعة مرجوع إليها في كثير من مواضع المنازعات، وعن القفَّال: أن القولين في الأصل مبنيان على أنا نتبع الفقه والقياس، أو نتبع عادة الرماة؟ ويَجْري مثل هذين القولين في صور من السبق والرمي، وهما متعلقان بالخلاف؛ في أن سبيل هذا العقد سبيل الإِجارة أو الجَعَالة؟ إن قلنا بالأول، اتَّبَعْنَا القياس، وإن قلنا بالثاني، جربنا على العادات والرسوم، وللإِمام اعتراضاتٌ على هذا البناء، لا نطول بذكرها؛ وليعلَم قوله في الكتاب "قولان" بالواو؛ لطريقتين أُخْرَيَيْنِ:

إحداهما: القطع بالقرعة، وهذا ما اختاره القاضي الطبري، قال: وهو ظاهر نصه في "الأم".

والثانية: القطْعُ بالفساد، ثم إذا شرطوا تقديم واحد أو اعتمدنا القرعة، فخرجت لواحد، فيقدم في كل رشق أو يؤثر سبب المتقدم في الرشق الأول خاصَّة؟ فيه وجهان، حكاهما الإِمامُ، وذكر أنهم، لو صرحوا بتقديم من قدموه في كل رشق أو أخرجا القرعة للتقديم في كل رَشَقٍ، فيتبع الشرط وقضية القرعة، ولك أن تقول: إذا ابتدأ المقدَّم في النوبة الأُولَى فينبغي أن يبتدئ الثاني في الثانية من غير قرعة، ثم يبتدئ الأول في الثالثة، ثم الثاني، وهذا لوجهين:

أحدهما: أنهم نقلوا عن نصه -رضي الله عنه- في "الأم": أنه لو شرط أن تكُونَ البدايةُ لأحدهما أبداً، لم يجز؛ لأن المناضلة مبنية على التساوي.

والثاني: أنه يُسْتحبُّ أن يكون الرمْيُ بين غرضين متقابلين، يرمي المتناضلان أو الجريان من عند أحدِهما إلى الآخر، ثم يأتيان الثاني، ويلتقطان السهام، ويرميان إلى الأول؛ لما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَا بَيْنَ الهَدَفَيْن رَوْضَةٌ من رِيَاضِ الْجَنَّةِ" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015