وقدر الأصحاب المسافة التي تقرب بموضع الإِصابة فيها بمائتين وخمسين ذراعاً، وقد رُوِيَ عن بعض أصحاب النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قِيل لَهُ: كَيْفَ كنْتُمْ تُقَاتِلُونَ العَدُوَّ؟ فَقَالَ: "إِذَا كَانُوا مِائَتَينِ وَخَمْسِينَ ذِرَاعاً، قَاتَلْنَاهُم بالنَّبْل، وإِذَا كَانُوا عَلَى أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، قَاتَلْنَاهُمْ بالحِجَارة، وَإِذَا كَانُوا عَلَى أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، قَاتَلْنَاهُم بالسُّيُوفِ (?) وقدروا المسافة التي يتعذر فيها الإصابة بما زاد على ثلثمائة وخمسين، ورووا أنه لم يرم إلى أربعمائة إلا عُقْبة بن عامرَ الجهنيُّ (?)، وجعلوا ما بين المقدارين في حدِّ النادر، وعن رواية القاضي الطبري وجه آخر: أنه لا يجوز الزيادة على مائتي ذراع، ولو تناضلا على أن يكونَ السبقُ لأَبْعَدِهِمَا رمياً، ولم يقصدا غرضاً، ففي صحته وجهان:

أحدُهُما: المنع؛ لما يتطرق إليه من الجهالة؛ ولأن الإِصابة هي المقصودة.

وأصحهما: الصِّحَّة لأن الإِبعاد مقصود أيضاً في مقاتلة مَن بَعُدَ من العدو، وفي إيقاع السهم في القلاع والرعب في العدُوِّ، ويمتحن به شدة الساعد أيضاً، قال الإِمام: والذي أراه على هذا، أنه يجب استواء القوسين في الشدة، ويُراعَى خفة السهم ورزانته؛ فإنهما يؤثران في القرب والبعد تاثيراً عظيماً.

ومنها: إعلام قدْر الغرض طولاً وعرضاً، والكلام فيه على ما ذكرنا في المسافة.

ومنها: ارتفاعه عن الأرض وانخفاضه، وهل يشترط بيانه أوْ لا يُشترط، ويحمل على الوسط فيه مثل الخلاف الذي سبق.

وقوله في الكتاب "بين الموقفِ والهدفِ وعرْضُ الهَدَفِ وقَدْرُ ارتفاع الهدف من الأرض" موضع الهدف موضعُ الغرضِ في هذه الصورة، وقد ينتقل ذلك، ولكن الأشهر أن الهدف هو الترابُ الذي يجتمع أو الحائط الذي يُبْنَى؛ لينصب فيه الغرض، والغرض قد يكون من خشب، وقد يكون من قِرْطاس أو جلد، أو شَنٍّ وهو الجلد البالي يدور عليه شَنْبَرٌ، ويُقال للشنبر: الجريدُ، وذكر بعضهم أن ما ينصب في الهدف يقال: له القِرطاس، وسواءٌ كان من كَاغِدٍ أو غيره، وما يُعلَّق في الهواء، فهو الغرض، والرقعة عظم، ونحوه في وسط الغرض، وقد يجعل في الشنِّ نَقْش كالقمر قبل استكماله، يُقال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015