قالوا: وينظر في الفرسين، وإن استويا في خلقة العنق طُولاً وقِصراً، فالذي تقدَّم بالعنُقِ أو بعضه هو السابق، وإن اختلفا، فإن تقدَّم الذي هو أقصرُ عنقاً، فهو السابق، وإن تقدَّم الآخر، نُظِر؛ إن تقدم بقدر زيادة الخلقة، فما دونها، فليس بسابق، وإن تقدَّم بأكثر منها، فهو سبق، ووراء هذا وجوه:

أحدها: أنَّ عند اختلاف خلقة العنق، يُعتبر في الخيل أيضاً بالكتد (?) ويُحْكَى هذا عن أبي إسحاق ورجَّحه الرويانيُّ.

والثاني: في طريقة الصيدلاني: أنَّ عند اختلاف الخلقة، إذا سبق الأطول عنقاً ببعض عنقه، وكتدهما سواءٌ، يُعَدُّ ذلك سبقاً؛ لأن تقدير أعناق الخيل وضبطَها عسيرٌ.

والثالث: أنه، إن كان في جنس الخيل ما يرفع الرأس عند العدو، فيعتبر فيه الكتد، كما في الإِبل.

والرابع: قضية ما ذكره بعضُهم: أن التقدُّم بأيهما، حَصَلَ السبق؛ وعلى هذا، فلو تقدم أحدهما بأحدهما، والآخر بالآخر، فلا سبق.

والخامس: عن رواية أبي الحسين بن القطَّان وجْه؛ أنه لا يُعْتبر هذا ولا ذاك، ولكن يتبع عرف الناس، وما يعتبرون به السبق.

والسادس: أن المعتبر ما شرطاه من اعتبار الكتد أو الهادي، وعن بعض علماء السلفِ: أن الاعتبار بتقدم الأذن، وإيرادُ القاضي ابن كج يُشْعر بجعله وجهاً للأصحاب، فهذا هو الكلام في الهادي والقَدَم، وأما الكَتَدُ مع القَدَمِ، فقد قَرَنَ بينهما قارِنُونَ، وأقام أحدهما مُقَام الآخر آخرون، وأشار الفريقان أنه لا فرق في الاعتبار بهما ولا خلاف؛ لأنهما قريبان من التحاذي، لكن بينهما مع التقارب تفاوتٌ، ولا يبعد أن يجعل اعتبار القدم وراء اعتبار الكتد والهادي؛ ويدل على ذلك ما نقل عن "الحاوي": أن صاحبه قال: لو اعتبر السبقُ بأيديهما، فأيهما تقدَّمت يداه، فهو السابق، كان أصح عندي؛ لأن السعي بهما والجري عليهما، لكن الشافعي -رضي الله عنه- اعتبر الهادي والكَتَدَ، وفي طريقة الصيدلانيِّ أنه، لو كان أحد الفرسين أطولَ عنقاً من الآخر فسبق الآخر ببعض العنق، وسبقه الآخر ببعض الكَتَدِ، فأيهما السابق؟ فيه وجهان، ويمكن تخريجهما على الخلاف في أن الاعتبار في السبق بهذا أم بذاك؟ وقد عرفت بما قدمناه أن قوله في الكتاب "ثم الاعتماد في السبق على الإِقدام" ينبغي أن يعلم بالواو، وأن ما عليه الأكثرون خلافُ ما ذكره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015