دخول المحلِّل، فات مقصود العقد، والقول بأنه، إذا كان كل واحد من المتسابقين يغنَم تارة ويغرَم أخرى، كانت الصورة صورة القِمار ممنوعٌ، بل له شرط آخر، وهو أن يكونَ كلُّ واحد من المتسابقين كذلك؛ بدليل ما قدَّمنا من الخبر، وعبر عن الخلاف بأن المحلِّل يحلِّل لنفسه فقط أو لنفسه ولغيره؟ والظاهر الثاني.
ويُقال، بعبارة أخرى: المحلِّل المال والعقد على المذهب، وعلى قول ابن خيران: أنه لتحليل العقد لا يستحقُّ المالَ غيرُه، وإذا قلنا: بظاهر المذهب، فلو كان المتسابقون مائة مثلاً، وليس فيهم إلا محلِّل واحدٌ، شرط أن يأخذ جميع ما أخرجوه، إن سَبَق، ولا يغْرم شيئاً، إن سُبِق، وكل واحد من المتسابقين، إن سبَق، غَنِمَ، وإن سُبِق، غرم، صحَّ العقد والشرط.
وهاهنا أصل آخر حكاه الإِمامُ؛ وهو أنا، إذا أطلقنا شرط المال للسابق، [فاللفظ للسابق] المُطْلق، أو يتناول من سبَقَ غَيرَه، وإن كان مسبوقاً لغيره؟ وفيه اختلاف للأصحاب، والظاهرُ الأول، ويترتب على الأصلين الحكمْ في صورة مجيء المتسابقين، فإذا تسابق مستبقان ومحلَّل، نظر؛ إن سبق المحلِّل، ثم جاء أحد المستبقين ثم الثاني، فيأخذ المحلِّل ما أخرجه المصلِّي بلا خلاف، وفيما أخرجه الفِسْكِلُ ثلاثةُ أوجه:
أظهرها: أنه يأخذ المحلِّل أيضًا؛ لأنه السابق المطْلَق.
وثانيها: أنه للمحلِّل وللمصلِّي جميعاً؛ لأنهما سبقاه.
وأضعفها: أنه للمصلِّي وَحْدَهُ، ويجعل سابقاً الفِسْكِلُ، كما أن المحلِّل سابق المصلي، وإن سبق المحلِّل، ثم جاء المستبقان معاً، فيأخذ المحلِّل ما أخرجاه بلا خلاف.
ولو سبق المحلِّل مع أحد المستبقين، ثم جاء الثاني، فالذي سبق مع المحلِّل يحرز ما أخرجه، وما أخرجه الآخر له وللمحلَّل؛ على ظاهر المذهب، وللمحلِّل خاصة على المنسوب إلى ابن خيران.
واقتصر في الكتاب على ذكر هذه الصور الثلاث.
ولو سبق أحد المستبقين، ثم جاء الثاني مع المحلل، أو جاء الثاني، ثم جاء المحلِّل، فيحرز السابق ما أخرجه أيضاً، وما أخرجه الثاني على المذْهب، وعلى ما ذكر ابنُ خيران: لا يأخذه، ولا شيء للمحلل على المذْهبين، ولو سبق أحد المستبقين، ثم جاء المحلِّل، ثم جاء الثاني، فيحرز السابق ما أخرجه، وأما ما أخرجه الثاني، فإن قلنا: بظاهر المذهب، ففيه وجهان:
أظهُرهما: أنه يأخذه السابق أيضاً: لأن المحلِّل مسبوقٌ.