على أنَّ من بَطَلَ السبق في حقه، هل يستحق على الباذل أجرة المثل؟ وفيه اختلاف سيعود، فإن قلْنا: لا يبطُل العقد في حق من بعده؛ كيلا يفضل من سبقه، وإن قلنا: نعم، لم يبطل في حق من بعده، ولا يضر كون المشروط له زائداً على أجرة المثل؛ لأن الممتنع أن يفضل المسبوق السابق فيما يستحقانه بالعقد، وأجرة المثل ليست مستحَقَّة بالعقد، واعلم أن الصور المذكورة وضَعُوها فيما إذا كان باذل المال غير المتسابقَيْن ويمكن فرضها أو فرض بعْضها فيما إذا كان بَذْلُه من أحد المتسابقَيْن (?) مثل أن يتسابق اثنان؛ يُبْذل أحدهما المال على أنه، إن سَبَقَ، دَفَع منه إلى الآخر كذا، وإن سَبَق الآخرُ، أمسك لنفسه منه كذا، وإذا تأملت الصورة عرفت أن في اشتراط تخصيص المال بالسابق اختلافاً للأصحاب، ولم يترجم الشرطَ صاحب الكتاب، على ما فيه من الخلاف، كما فعل في "الوسيط" فقال: الشرط الثاني: أنه إذا تسابق جماعة، فينبغي أن يُشْرَط السبق للسابق وذاك أليق بسياق الكلام.
فَرْعٌ: لو قال: من سبق، فله كذا، فجاء المتسابقون معاً، فلا شيء لهم، ولو جاء اثنان فصاعداً معاً، وتأخَّر الباقون، فالمشروط للأوَلْينِ بالسوية، ولو قال: من سبق فله دينارٌ، ومن صلَّى، فله نصف دينار، فسبق واحدٌ وصلَّى ثلاثةٌ، ثم جاء الباقون، فللسابق دينارٌ، وللثلاثة المصلِّين نصفُ دينار، وإن سَبَق ثلاثة معاً، وصلَّى واحد، ثم جاء الباقون، فللثلاثة دينار، وللمصلِّي نصف، وإن سبق واحد، وجاء الباقون معاً، فله دينار، ولهم نصف دينار، وإن جاء الجميع معاً، فلا شيء لهم: لأنهم ليسوا بسابقِينَ ولا مصلِّينَ، ولو قال: كل من سبق، فله دينار، فسبق ثلاثة، فعن الداركيِّ: لِكلِّ واحد منهم دينار.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: الرَّابعُ: أنْ يَكُونَ فِيهِمْ مُحَلِّلٌ وَهُوَ لاَ يُغْرَمَّ إنْ سَبِقَ وَيغْنَمُ إِنْ سَبَقَ، فَلَوْ شَرَطَ الإِمَامُ أوْ وَاحِدٌ مِنَ النَّاسِ للِسَّابِقِ مَالاً جَازَ، وَلَوْ أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ المُتَسَابِقَيْنِ مَالاً لَمْ يَجْز إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ شَرَطَ المَالَ لَهُ إِنْ سَبَقَ وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ أَحْرَز كُلُّ وَاحِدٍ منْهُمَ مَالَهُ وَلاَ شَيْء لَهُمْ عَلَى المُحَلِّلِ، وَإِنْ شُرِطَ المَالُ لِلمُتَسَابِقَيْنِ أَيْضاً فَقَوْلاَنِ يُعَبَّرُ عَنْهُمَا بِأنَّ المُحَلِّلَ يُحَلِّلُ لِنَفْسِهِ فَقَطْ أَمْ لِنَفْسِهِ وَلغَيْرِهِ، فَإن جَوَّزْنَا جَازَ أَنْ يَكُونَ فِي المِائَةِ مُحلِّلٌ وَاحِدٌ يَأْخُذُ الكُلَّ إنْ سَبَقَ وَلاَ يُغَرَّمُ إِنْ تَخَلَّفَ فَكلُّ وَاحِدٍ مِنَ البَاقِينَ يَغْنَمُ وَيغرَمُ، فَعَلَى هَذَا إِنْ تَلاَحَقُوا وَالمُحَلِّلُ سَابِقٌ أَخَذَ مَالَ المُصَلِّي وَالفِسْكِلَ جَمِيعاَ، وَقِيلَ: المُصَلِّي يَأخُذُ نِصْفَ مَالِ الفِسْكِلِ لأنَّهُ سَبَقَهُ أَيْضاً، وَإِنْ سَبَقَ المُحَلِّلُ