بالحجارة والتردُّد بالسيوف، فالظاهر الجواز على ما بَيَّنَّاه، واعلم أن أحد بابي الكتاب، وإن أفرد للسبق، والآخر للرمي، ولكنَّ في كل واحد من العقْدين كثيراً مما يدخل فيه الآخر، ويختلط به، لقرب أحدهما من الآخر، وهذا الفصْل مما حصل فيه الاختلاط.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: الثَّانِي: الإِعْلاَمُ: وَلاَ بُدَّ مِنْ إعْلاَمِ المَوْقِفَ وَالغَايَةِ وَالتَّسَاوِي فِيهِمَا، وَلَوْ شُرَطَ لأَحَدِهِمَا تَقَدُّمُ الغَايَةِ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ شُرِطَ لِلسَّابِقِ حَيْثُ يَسْبِقُ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الغَايَةِ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ عَيَّنَ الغَايَةَ وَلَكِنْ شَرَطَ المَالَ لِمَنْ يَسْبِقُ فِي وَسَطِ المَيْدَانِ حَيْثُ كَانَ فَفِبهِ وَجْهَانِ.
قَالَ الرَّافِعيُّ: يشترط في المسابقة إعلام الموْقِف الذي يبتدئان بالجري منه، والغاية التي يجريان إليها؛ على ما ورد أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- "سَابَقَ بَيْنَ الخَيْلِ المضمرة من الحفيا إلى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ" ويُشترط تساوي المتسابقين فيهما جميعاً، ولو شُرِط تقدُّم موقف أحدهما أو تقدم غايته لم يجز؛ لأن المقصود معرفة فروسية الفارس وجودة سير الفرس، ولا يُعْرف ذلك مع تفاوت المسافة؛ لاحتمال أن يكونَ السبْقُ حينئذٍ حصل لِقِصَرِ المسافة، لا لحَذَق الفارس، ولا لفراهة الفرس، ولو لم يعيِّنا غايةً، وشَرَطَا المال لمن سبق منْهما، حيث سبق، لم يجز، ووجهَّوه بمعنيين:
أحدهما: أنه إذا لم تكن غاية، فقد يديمان السير؛ حرصاً على المال؛ فيتعبان، وتَهْلِكُ الدابة.
والثاني: أن من الخيل ما يقوى سيره في الابتداء، ثم يضعف، وصاحبهُ يبغي قصر المسافة، ومنْها ما يضعف سيره في الابتداء، ثم يقوى، وصاحبه يبغي طول المسافة وإذا اختلف الغرض، فلا بدّ من الإعلام والتنصيص على ما يقْطَع النزاع؛ كقدر الثمن في الأجرة، ولو عينا غاية، وشَرَطا أنَ السبق حيث اتفق في وسط الميدان، كفي، وكان السابق فائزاً، ففي جوازه وجهان:
أحدهُما: يجوز؛ لأنه سبق كالسبق إلى الغاية، وأشبههما المنع؛ لأنا لو اعتبرنا السبق في خلال الميدان، لاعتبرنا السبق بلا غاية معيَّنة، وأيضاً، فقد يَسْبِق الفرس ثم يُسْبَق، والاعتبار بآخر الميدان؛ ألا ترى أنهما، إذا لم يشترطا أن السابق في خلال الميدان فائزٌ، فسبق أحدهما في خلاله، والآخر سبق في آخره، يكون السابق الثاني، وقد يُبْنى الوجهان على المعنيين في الصورة السابقة، إن عللنا بإقامة (?) السير، فهذا المعنى مفقودٌ هاهنا، فإن الميدان ضابطٌ، وان علَّلنا بتفاوت الأغراض، فلا يجوز ها