ليس فيه إتلاف البعض لإبقاء الكل، وليس للغير أيضاً أن يقطع شيئاً من بدنه للمضطر، ثم موضع الخلاف ما إذا لم يجدْ شيئاً يأكُلُه، فإن وَجَدَه، لم يقطع شيئاً من نفسه بلا خلاف.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: الثَّانِي: إِذَا ظَفِرَ بِطَعَامِ مَنْ لَيْسَ مُضْطَراً فَيَطْلُبُهُ منْهُ فَإن مَنَعَهُ غَصَبَهُ، فَإِنْ دَفَعَهُ جَازَ لَهُ قَتْلُ المَالِكِ فِي الدَّفْعِ، فَإِنْ بَاعَهُ بثمن المَثْلِ لَزِمَهُ شِرَاؤُهُ، وَإِنْ بَاعَ بِأكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ المِثْلِ فاشْتَرَاهُ لِلضَّرُورَة فَهُوَ كَشَرَاءِ المَصَادِرِ، وَالمَالِكُ لَوْ أَوْجَرَ المُضْطَرُّ طَعَامَهُ قَهْراً فَفِي اسْتِحْقَاقِ القِيمَةِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا وَجَدَ المضطر طعاماً حلالاً لغيره، فذلك الغير؛ إما أن يكون حاضراً أو غائباً.
الحالةُ الأولى: إذا كان حاضرًا فينظر؛ إن كان هو مضطراً إليه، فهو أولَى به، وليس للأول أخذه منه، إذا لم يفضل عن حاجته؛ إلا أن يكونَ غيرُ المالك نبياً، فيجب على المالِك بذلُه له، فإن آثر المالِكُ غيرُه على نفْسه، فقد أحسن، قال الله تعالَى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الحشر: 9] الآية، وإنما يُؤثر على نفسه المسلم.
أما الكافر، فلا يؤثره ذمياً كان أو حربياً، وكذا لا يؤثر بهيمةً على نفسه.
وإن لم يكن المالِك مضطراً إليه، فعليه إطعامُ المضطر مسلماً كان أو ذمياً أو مستأمناً، وكذا لو كان يحتاج إليه في ثاني الحال في أظهر الوجهين، وللمضطر أن يأخذه ويقاتلَه عليه، وإن أتى القتال على نفسه، فلا شيء عليه، وإن قَتَلَ المالكُ المضطرَّ في الدفْع عن طعامه، فعليه القِصاص، وإن مَنَعَ منه الطعامَ، فمات جوعاً، فلا ضمانَ عليه؛ لأنه لم يحدث منه فعلٌ مهلك، وقال في "الحاوي": ولو قيل: يضمن الدية، كان مذهباً؛ لأن الضرورة أثبتت له في ماله حقاً، فكأنه مَنَعَ منه طعامه، وكَمِ القدْرُ الذي يجب على المالِك بذْلُه، ويجوز للمضطر أخذه قهراً أو القتال عليه، أهو القدر الذي يسُدُّ الرمق أو القدْر المشبع؟ فيه قولان بناءً على القولين في القَدْر الذي يَحِلُّ له من الميتة، وهل يجب على المضطر الأخذ قهراً، أو القتال، فيه خلافٌ (?) مرتب