والأرجح عند أكثر الأصحاب: أنه لا يَحِلّ الشرْبُ؛ لإِزالة العطش، وقد بيناه هناك، وإذا قيل بجوازه، فلو وجد خمراً وبولاً، يشرب البَوْل دون الخمر؛ لأن تحريمه أخفُّ، كما لو وَجَد بولاً وماءً نجساً يشرب الماء؛ لأن نجاسته طارئة، وأما سائر المحرمات، فيجوز التداوِي بها، وقد سبق ذكره في الكتاب في "الحدود"، وعلى ذلك ينزل ما رُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم- "أمَرَ الرَّهْطَ العُرَنِيِّينَ أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أبْوَالِ الإِبلِ وَأَلْبَانِهَا" (?) ووراءه وجهان، حكاه الرويانيُّ في "البحر".
أحدُهما: منع التداوي بها؛ لما رُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَا جُعِلَ شِفَاؤُكُمْ فِيْمَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ" (?).
والثاني: منع التداوي بغير أبوال الإِبل، وفي كتاب القاضي ابن كج ذكر وجهين في جواز التبخر بالندّ (?) الذي فيه خمرٌ؛ لما يصعد منه من الدخان (?)، وهذا قد سبق نظيره في "الطهارات".
قَالَ الغَزَالِيُّ: فُرُوعٌ: الأَوَّلُ: فِي جَوَازِ قَطْعِ فَلْذَةٍ مِنَ الفَخِذِ إِذَا لَمْ يكُنِ الخَوْفُ فِيهِ كَالخَوْفِ فِي الجُوْعِ وَجْهَانِ، وَلاَ يَجُوزُ أنْ يَقْطَعَ مِنْ فَخِذِ غَيْرِهِ أصْلاً.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: إِذَا أَراد المضطر أن يقطع فلقة من فخذه أو من عضو آخر ليأكلها، فإن كان الخَوْفُ فيه كالخوف في ترك الأكل أو أشد، لم يكن له قَطْعُها، وإن لم يكن خوفُ الهلاك فيه كالخوف في ترك الأكل، فوجهان:
أحدهما: لا يجوز القطْع، وهو اختيار صاحب "الإِفصاح" وجماعة؛ لأنه قَطَعَ فلقة من معصوم؛ فأشبه قَطْعَها من غيره، ولأنه قطْعُ لحْمِ حيٍّ قد يتولَّد منه الهلاك.
والثاني: ويُحْكَى عن ابن سريج وأبي إسحاق: أنه يجوز؛ لأنه إتلاف بعضٍ لاستبقاء الكل، فأشبه قطْعَ اليد بسبب الأكلة، ويشبه أن يكون هذا أظهر، وبه قال الشيخ أبو حامد وغيره، ورجح الرويانيُّ الأول، ولا يجوز أن يقطع فلقةً من غيره؛ إذ