قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَأمَّا جِنْسُ المُسْتَبَاحِ فَكُلُّ مَا لاَ يُؤَدِّي إِلَى قَتْلِ مَعْصُومٍ، فَتَحِلُّ الخَمْرُ لإِزَالَةِ العَطَشِ وَإِنْ لَمْ بَجُزْ للتَّدَاوِي، وَيَحِلُّ قَتْلُ الحَرْبِيِّ وَالمُرتَدِّ وَالزَّانِي (و) المُحْصَنِ وَالْمرْأَةِ الحَرْبِيَّةِ وَالصَّبيِّ الحَرْبِيِّ، وَلاَ يَحِلُّ قَتْلُ الذِّمِّيِّ وَالمُعَاهَدِ وَالعَبْدِ وَالوَلَدِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: المحرَّمات التي يضطر الإِنسان إلى تناوُلها قسمان:
أحدهُما: ما سوى المسكر، ويباح جميعه بالضرورة، ما لم يكن فيه إهلاك معصوم، وفيه مسألتان:
إحداهُما: الكافر الذي لا عصمة له؛ كالحربي والمرتد يجوز للمضطر قتلُه وأكله، وإنما اعتبر، مراجعة الإِمام في غير حالة الضرورة وتعظيماً للإمام، وحالة الاضطرار ليست حالة رعايةِ الأدب، وفي الزاني المحصَنِ والمحارِبِ وتارِكِ الصلاة وجهان:
أظهرهما: أن الجواب كذلك.
والثاني: المنعُ، ويُحْكَى، عن القاضي الحُسَيْن؛ لحرمة الإِسلام، ولو كان له قصاصٌ على غيره ووجده في حالة الاضطرار، فله أن يقتله قصاصًا ويأكله، وأما المرأة الحربية وصِبْيان أهْلِ الحرب، ففي "التهذيب": أنه لا يجوزُ قتلهُم، وجوَّز الإِمام وصاحبُ الكتاب قتلَهم وأكلَهم؛ لأنهم ليسوا بمعصومين، وليس المنع من قتلهم في غير حاله الضرورة؛ لحرمة رُوحِهم (?)؛ ألا ترى أنه لا تتعلَّق به الكفَّارة، والذميُّ والمعاهدُ والمستأمن معصُومُون مضمونُون بالكفَّارة؛ فلا يجوز للمضطر قتلُهم وأكلُهم، وكذا لا يجوز للسيد المضطر قتلُ عبده، ولا للوالد قتل ولده وأكْلُه.
المسألة الثانية: لو لم يجد إلا آدمياً ميتاً، فهل يحل له أكله؟ فيه وجهان:
أحدهما: وبه قال أحمد: لا؛ لما رُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "كَسْرُ عِظَامِ المَيِّتِ كَكسْرِ عِظَامِ الْحَيِّ" (?) وهذا ما حكاه أبو الحسن العباديُّ عن المُزنيِّ في "العقارب" (?).
وأصحهما: الحِلُّ؛ لأن حرمةَ الحَيِّ أعظمُ، والمحافظة عليها أولَى، وكذلك، لو كان في السفينة ميت، وخاف أهلها الغرق، كان لهم طرحُه في البحْر، ولا يجوز طرحُ الحيِّ، واستثنى إبراهيم المروزي على هذا الوجْه، ما إذا كان الميت نبياً، وعن "الحاوي" تفريعاً عليه؛ أنه لا يأكل منْه إلا ما يسُدُّ به الرمق؛ حفظاً للحرمتين معاً (?)،