منقيةُ وهذه لا تنقى. ولنشرحْ كل واحدة من هذه الصفاتِ على الترتيبِ المسبُوقِ في الكتاب. فمنها المريضةُ البيِّنُ مرضُها، وفي هذا [التقيِيدِ] (?) ما يُفْهِم أَنَّ المرض اليَسِيرَ لا يمنع الإجزاءَ؛ لأنَّهُ لا يُؤَثِّرُ في اللحم، فأمَّا إذا بان وقوي وظهر بسَبَبِه الهزالُ فيفسدُ اللحم ويصيرُ مُضرًا، وهذا ظاهِرُ المذهب.
وفي "الكَافِي" وغيره وجهٌ: أنَّ المرضَ يمنعُ الإجزاءَ وإن كان يَسِيراً. وعن "صَاحِب الحَاوِي" حكاية قولاً عن "القَدِيم" وفي "الهُيام" حكاية وجه؛ أنَّ قَلِيلَه وكثيرَهُ يمنع الإجزاءَ.
"والهُيامُ" من أَمْراضِ الماشيةِ، وهو أنْ يشتد عَطَشُها، فلا تُرْوَى من الماءِ.
ويجوز أن يُعْلَم لهذا قولُه: "البيِّن مرضُها" بالواوِ بل يجوز إعلامُ المريضة أيضاً؛ لأنَّ في كتاب القاضِي ابْنِ كجٍّ نقلُ قول: أنَّ المنع يختصُّ بالجَرَب، وأَمَّا سائِرُ الأَمْرَاضِ فإنَها لا تمنع الإجزاءُ وقوله: "في معناها الجَرْباءُ" يَقْتَضِي أن تكون الجرباءُ غيرَ المريضة، لكنَّ الجَرَبَ نوعٌ من المرضِ، بل فسَّرَ كثيرُ من الأصحاب المريضة في الحديث بالجرْبَاءِ، ثُمَّ قضية ما أَوْرده المعظم صَرِيحًا ودَلالة، ونسبُوه إلى نَصّه -رضي الله عنه- في الجَدِيدِ: أنَّ الجَرَبَ يمنعُ الإجزاءَ يَسِيراً كان أَوْ كَثِيراً؛ لأَنَّه يُفْسِدُ اللَّحْمَ والوَدَكَ، وفيه وجهٌ: أَنَّ الكثيرَ هو الذي يمنع كما في سَائِرِ الأَمْرَاضِ، وهذا ما اختاره الإِمام، وأَورده صَاحِبُ الكتاب، ولا فرق في المرضِ والجَرَبِ بين ما يُرجى زوالُه، وما لا يُرْجَى.
ومنها: العَرْجَاءُ، فان اشتدَّ عَرَجُها بحيث تَسْبِقُها الماشيةُ إلى الكَلأَ الطيب، وتتخلَّفُ عن القَطِيع، فلا تُجْزئ؛ لضعْفِها وهُزَالِهَا، لعجزها عن الاِعْتلافِ، وإن كان يَسِيرًا لا يخلفها عن الماشية -لم يَمْنَع الإِجْزَاءَ، وإذا كان العَرَجُ البيِّنُ [يمنع] (?) مِنَ التضحيةِ فَفُقْدَانِ بَعض القوائم أو انكسار أَوْلَى بالمنْعِ، وإن كانت تزحَفُ بثلاثِ قَوَائِمَ، فإنها لا تنفرع من السعي إلى المرعى.
نَعَم. لو أُضْجِعَت لِيُضَحَّى بها وهي سَلِيمةٌ فاضطربت؛ وانكسر رِجْلُها، أو عرجت تحت السِّكِّين فوجهان:
أَحدُهما: أَنَّ حُدوثَ العرجِ -والحالةُ هذِه- لا يُؤَثِّرُ وأشبههما التأثير لأنها عَرْجَاءُ عند الذبح، فأشبه ما لو انكسرتِ رجلُ شاة فبادر إلى التضحية بها.
ومنها العَوْراءُ فلا تُجْزِئُ إنْ لم تكن الحدَقَةُ باقيةً، ولمَ لاَ تُجزِئَ؟ قيل: لأنَّها لم تُبصِرْ أَحَدَ شِقَّيِ الْمَرْعَى فينتقص رَعْيُها، ويتأثر به لحمُها.