الرابعة: إذا فَتَحْنَا القَلْعَةَ، فلم نجد فيها إِلاَّ تلك الجَارِيةَ، فهل تُسَلَّمُ إليه؟ ففيه وَجْهَان: أَصَحُّهُمَا: نعم، وَفَاءً بالشرطِ.
والثاني: لا؛ لأنَّ عَمَلَنَا، وسعينا حينئذٍ يَكُونُ لِلْعِلْج خَاصَّةً والخِلاَفُ فيما إذا لم نملك القلْعَة، وإدامة اليد عليها لكونها مَحْفُوفَةٌ ببلاد الكُفْرِ، فإن أمكن، فلا خِلاَفَ في وجوب الوَفَاءِ، وقد يُفْهَمُ هذا التقييد من قَوْلِهِ في الكتاب: "وإن لم يَحْصُلْ لنا من القَلْعَةِ إلاَّ تلكَ الجاريةُ".
الخامسة: جميع ما ذكرنَا فيما إذَا فُتِحَتْ عَنْوَةً، أَمَّا إذا فُتِحَتِ القَلْعَةُ صُلحاً، فَيُنْظَرُ إنْ كَانَتِ الجَارِيَةُ المَشْرُوطَةُ خَارِجَةً عن الأَمَانِ، كما إذا كَانَ الصُّلْحُ على أَمَانِ صَاحِبِ القَلْعَةِ وأَهْلِهِ، فكانت (?) الجاريةُ من غير أهْلِهِ فَتُسَلَّمُ إليه، وإن كَانَتِ الجَارِيَةُ من الذين أَمَّنَاهم [بأن كانت من أهلِهِ] (?) فيخير صَاحِبُ القَلْعَة بشرطنا مع العِلْجِ، ونقول: إنْ رضيت بتسليمها إليه غَرِمْنَا لك قِيمَتَهَا، وأمضينا الصُّلْحَ، والقِيمَةُ المدفوعة إليه تكون من بيتِ المالِ، كذا ذكر في "التهذيب".
وفي "الشامِل" أنها جَارَيةٌ مجرى الرَّضْخ، وفيه خلافٌ، فإن لم يَرْضَ رَاجَعْنَا العِلْج، فإنْ رَضِيَ بقيمتها، أو بِجَارِيَةٍ أخرى، فذاكَ، وإلاَّ فنقول لِصَاحِب القَلْعَة: إذا لَم تسلمها فنفسخ الصُّلْحَ وننبذ عَهْدَكَ، ونرده إلى القَلْعَة، ونستأنف معه القِتَالَ، وهذا لأنه صُلْحٌ مَنَعَ الوَفَاءَ بما شَرَطْنَاهُ، وكل صلح هذا حَالُهُ، فللإمام رَدُّهُ ونَبْذُهُ، وهو ظَاهِرُ المَذْهَبِ.
وعن أبي إِسْحَاقَ: أنَّ الصُّلْحَ في الجَارِيَةِ المشروطة لِلْعِلْج فَاسِدٌ؛ لأنَّهَا مستحقّةٌ له. وقوله في الكتاب: "فصلحنا مع الزّعِيمِ بَاطِلٌ" [بمعنى أن نبطَله ونَفْسَخهُ] (?) ولم يُرِدِ الوَجْهَ المَنْسُوبَ إلى أبي إِسْحَاقَ، فإن الفسَاد على ذلك الوجه لا يُشْتَرَط فيه امْتِنَاعُ زَعِيم القَلْعَة عَنْ بَدَلِهَا [بِبَدَلٍ، ثم الفَسْخُ والإِبْطَالُ لا يكفي فيه امْتِنَاعُ الزَّعِيمِ عن بدلها، بل] (?) يراجع العلج أيضاً، وينظر هل يَرْضَى بالقِيمَةِ، أو بجَارَيةٍ أخرى، كما ذَكَرْنَا فإن أَبَيَا جميعاً، فحينئذ نُبطِلُهُ.
[فرع] قال القاضي ابْنُ كَجٍّ: لو كَانَ الإِمَامُ نَازِلاً بجنب قَلْعَةٍ، وهو لا يعرفها فقال: من دَلَّنِي على قَلْعَةِ كذا، فله منها جَارِيةْ، فقال عِلْجٌ: هي هذه التي أَنْتَ عندها، فالمذهب أنه يَسْتَحِقُّ تلك الجَارَيةَ إذا فُتِحَتْ، كما لو قَالَ: من جاء بِعَبْدِي الآبِقِ، فله كذا، فوجده إنسان من البلدة.
قال الغَزَالِيُّ: (الثَّانِيَةُ) المُسْتَأْمَنُ إِذَا نَقَضَ العَهْدَ فَرَجَعَ إِلَى دَارِهِ فَمَا خَلَّفَهُ عِنْدَنَا مِنْ