أن يكون في الإِقْلِيم مُفْتٍ واحِدٌ؛ لعُسْرِ مراجعته على النَّاسِ.
واعتبر الأصحابُ فيه مسافةَ القَصْرِ، وكأَنَّ المُرَادَ أَلاَّ يزيدَ ما بين كل مُفْتِيَيْنِ على مَسافَةِ القَصْر، لئلا يحتاج مَنْ يراجع إلى قَطْعِ مسافة القصْرِ.
وفي العُلُومِ العقلِيّة ما هو فَرْضٌ على الكِفَايَةِ: كالطّبِّ المحتاج إِلَيْه في مُعَالجة الأَبْدَانِ، والحِسَابِ المحتاج إليه في المُعَاملاتِ، وقِسْمة الوَصَايَا والموَارِيث.
قال المصنِّفُ -رحمه الله- في "الإِحْيَاءِ": ولا يُسْتَبْعَدُ عَدُّ الطِّبِّ والحسَابِ من فُرُوضِ الكفايات، فَإِنَّ الحِرَفَ والصناَعات التي لا بُدَّ للناس منها في مَعَايِشِهمْ كالفِلاَحَةِ، والزِّرَاعَةِ مِنْ فرْوضِ الكِفَايَاتِ، والطبُّ والحسابُ أَوْلَى.
وأَمَّا أُصولُ الاعْتِقادَاتِ. فالاعتقادُ المستقِيمُ مع التصميم على ما ورد به القرآنُ والسنَّةُ فَرْضُ عينٍ، والعِلْمُ المُتَرْجَمُ بـ"عِلْمِ الكَلاَمِ" ليس بفرْضِ عَيْنٍ، وما كان الصحابةُ -رضي الله عنهم- يَشْتَغِلُون به.
قال الإمامُ: ولو بَقِيَ الناسُ على ما كانوا عليه في صَفْوةِ الإسلام -لما أوْجَبْنَا التشاغل به، ورُبَّمَا نَهَيْنَا عنه، فَأَمَّا الآن وقد ثارت البِدَعُ، فلا سَبِيلَ إلى تركها تَلْتَطِمُ، ولا بُدَّ مِنْ إِعْداد ما يُدْعَى به إلى المسْلَكِ الحقِّ وتُحَلُّ به الشُّبَهُ، فصار الاشتغالُ بأَدِلَّةِ العُقُولِ، وحلّ الشبه مِنْ فُرُوض الكِفَايَاتِ، ومَنِ اسْترابَ في أصْلٍ مِنْ أُصُول الاعتقاد، فعليه السَّعْيُ في إِزَاحته إلى أَنْ تَسْتَقِيم عَقِيدَتُه (?).