أَكُنُ قاصداً، أو لم أَطَّلِعْ على شيء، لم يلزم الرَّامِيَ شَيْءٌ؛ لأن الاطلاع حاصل وقصده أمر بَاطِنٌ لا يطلع عليه، وهذا ذَهَابٌ إلى تجويز الرمي وإن لم يتحقق قصده، وفي كلام الإِمام ما يَدُلُّ على أنه لا يرمي حتى يتبين (?) الحال، وهو حَسَنٌ.

الثانية: هل يجوز رَمْيُهُ قبل أن يُنْذِرَهُ؟ فيه وجهان:

أحدهما -ويحكى عن الشيخ أبي حَامِدٍ، والقاضي الحسين: لا بل ينذره أولاً، ويزجره عن التطلُّع، ويأمره بالانْصِرافِ، فإن أصر، فحينئذ يرميه؛ جَرْيًا على قياس الدفع في البِدايَة بالأهون [فالأهون] (?) وأيضًا فقد يعتقد لنفسه عُذْراً، فيعرف بالنهي، فإن أصَرَّ نِيلَ منه.

وأظهرهما -وهو المذكور في الكتاب وبه قال القاضي أبو الطيب والماسَرْجِسِيُّ: أنه يجوز الرَّمْيُ قبل الإنذار؛ لما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يُخَاتل النَّاظر لرمي عينه بالمِدْرى (?).

وروي أنه قال: "مَنِ اطَّلَعَ عَلَى قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَفَقَؤوا عَيْنَهُ فَلا قَوَدَ وَلا دِيَةَ" (?).

وعن صاحب "التقريب" أنه استدلّ لجواز الرَّمْيِ قبل الإنذار هاهنا، على أنه لا يَجِبُ تقدم الكلام في كل دَفْع، وإنما يجوز للمصول عَليه الابتداء بالفعل، وربما يروى عنه تَخْرِيجُهُ على الخلاف في أنه هل يجوز اسْتِتابَةُ المرتد؟

وذكر الإِمام أن مَجَالَ التردد في الكلام الذي هو مَوْعِظَةٌ، وتخجيل قد تفيد، وقد لا تفيد، فأما ما يوثق بكونه دَافِعاً من تَخْوِيفٍ وَزَعْقَةٍ [مزعجة،] (?) فلا يجوز أن يكون في وجوب البداية خلاف، وهذا أحسن وينبغي أن يقال: ما لا يوثق (?) بكونه دَافِعاً، ويخاف من البداية مُبَادَرَةِ الصائل، وخروج الأمْرِ مِن اليد لا يجب البِدَايَةُ بلا خلاف.

الثالثة: لو وضع الأذن على [صِير] (?) الباب، أو وقوف على الباب يَتَسَمَّعُ لم يجز رمي أذنه، وليس السَّمْعُ كالبَصَرِ في الاطِّلاَعِ على العوْراتِ.

قال الإِمام: وفي بعض التعاليق عن شيخي تَنْزِيلُ الأذُنِ بمنزلة العَيْنِ، ولا أثق بالمعلق [ولم أورده للاعتداد] به، لكن المُصَنِّفَ اعْتَدَّ به، فجعله وجهًا في "الوسيط".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015