وهذا [أَنْدَاه] الإِمام على سبيل الاحْتِمَالِ، وقد يؤيد ذلك بِظَاهِرِ لفظه في "المختصر"، حيث قال: "لا يُقَامُ على سَارِقٍ حَدٌّ إلا بأن يَثْبُتَ على إِقْرَارِهِ حتى يُقَامَ عليه الحَدُّ، أو بِعَدْلَيْنِ يقولان: [إن] هذا بِعَيْنِهِ سَرَقَ مَتَاعاً لهذا"؛ فإنه حَصَرَ الإثبات في الإقرار والبَيِّنَةِ.
وليعلم لما بَيَّنَا قوله في الكتاب: "ويثبت [الغُرْمُ] باليمين المردودة" [بالواو] (?).
قال الغَزَالِيُّ: وَتَثْبُتُ أَيْضاً بِالإِقْرَارِ مَعَ الإِصْرَارِ، فَإنْ رَجَعَ لَمْ يَسْقُطِ الغُرْمُ، وَفِي سُقُوطِ القَطْعِ قَوْلاَن، وَقِيلَ: يَسْقُطُ القَطْعُ، وَفِي سُقُوطِ الغُرْمِ بِالتِّبَعِيَّةِ قَوْلاَنِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَلَوْ أَقَرَّ بِاسْتِكْرَاهِ جَارِيةٍ عَلَى الزِّنَا ثُمَّ رَجَعَ سَقَط الحَدُّ، وَلاَ يَسْقُطُ المَهْرُ، ولَوْ أَقَرَّ السَّارِقَ قَبْلَ الدَّعْوَى فَهَلْ يُقْطَعُ فِي الحَالِ أَوْ ينْتَظَرُ طَلَبُ المَالِكِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَلاَ يُنْتَظَرُ سَيِّدُ الجَارِيَةِ إِذَا أَقَرَّ بِالزِّنَا بِهَا مَعَ الإكْرَاهِ لِأَنَّ مَالِكَ الجَارَيةِ لَوْ قَالَ: كُنْتُ مَلَكْتُكِ قَبْلَ هَذَا فَكذَبَ لَمْ يَسْقُط الحَدُّ، وَبِمِثْلِهِ يَسْقُطُ الحَدُّ فِي السَّرِقَةِ إِذْ يُقْطَعُ بِطَلَبِ المَالِكِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: الحُجَّةُ الثانية (?): الإِقْرَارُ، فإذا أقر بِسَرِقَةٍ توجب القَطْعَ أجرى عليه حكمها، ولا يشترط تَكْرِيرُ الإِقْرَارِ، كما في سائر الحقوق.
وبه قال أبو حَنِيْفَةَ وَمَالِكٌ.
وقد يحتج له بما رُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ أَبْدَى لَنَا صَفْحَتَهُ أَقَمْنَا عَلَيْهِ حَدَّ اللهِ تَعَالى" (?)، ولم يفرق بين أن يُكَرِّرَ أو لا يُكَرِّر.