وإذا قال الرجل: تعلمتُ السحر أو أَحْسِنُ السِّحْر، استُوصِفَ، فإن وصَفَه بما هو كُفْرٌ، فهو كافر، ومثَّله ابن الصباغ بأن يعتقد التقرُّب إلى الكواكب السبعة، وأنها تجيب إلى ما يقترح منها. وعن القفَّال: أنه لو قال: أفْعَلُ بالسحْر بقُدْرتي دون قدرة الله تعالى، فهو كافر، وإن وصفه بما ليس بكُفْر، لم يكن كافراً.
وقال مالك: السِّحْر زندقة حتى أن الرجُل، إذا قال: أنا أحسن السحر، ولا أعيل به، يُقْتَل، ولا تُقْبَل توبته، كما لا تُقْبَل توبة الزنديق، ويروَى عن أبي حنيفة مثله.
وقال أحمد: يقتل الساحِرُ، ولمْ يُؤْثَر عنه في كفْره شيْءٌ.
واحتج الأصحاب بِأَنَّ مَنْ قال: أحسن الكفر أو الزنا، لا يُجْعَل كافراً وزانياً،
ويُرْوَى أن مدبِّرةً لعائشةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- سَحَرَتْها استعجالاً للعتْق، فباعتها عائشةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- ممَّن يسيءْ مِلْكَها من الأعراب، وكان ذلك بِمَحْضَر من الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- ولم يقْتُلُوها.
وأما تَعَلُّم السحْر وتعليمه، فالذي ذكره الأكثرون منْهم أصحابُنا العراقيون "وصاحب التهذيب": أنهما حرامان، لخوف الافتتان والإضرار بالناس، وفي "تعليق أبي بكر الطوسيِّ حكاية وجهين فيه.
أحدهما: هذا.
والثاني: لا يحْرُم، كما لا يحرم تعلُّم مقالات الكفرة، وقد يبغي من يتعلَّم السحْر دفْعَ ضرَرِهِ عن نفْسه، وأيضاً، فإنَّ تعرُّف حقائق الأشياء لا يَحْرُم، وهذا ما أورده في "الوسيط"، ورد الإِمام الوجهَيْن إلى أنه هل يُكْره تعلمُّه وفيه إشعار بأنه لا يحرم، وكلام القاضي الرويانيِّ قريبٌ منه، ولا يخفَى أن موضع الخلاف في التحريم؛ ما إذا لم يحتَجْ في تعلمه إلى تقديم اعتقادٍ هو كفرٌ والله أعلم.
إذا عُرِفَ ذلك، ففي الفصل مسألتان:
إحداهما: القتل بالسحْر لا يَثْبُت بالبيِّنة؛ لأن الشاهد لا يعْلَم قصْد الساحر، ولا يشاهِد تأثير السحْر، وإنما يثْبُت ذلك بإقرار الساحِر، وقد قدَّمنا أنه إذا قال: قتلتُه