لنا: أن امتناع القصاص كان لاتصالِ محلِّ الجناية بغيره، فإذا زال الاتصالُ، استُوفِيَ القصاصُ، كالحامل إذا وضعتِ الحَمْلَ.

فإن صبر المجنيُّ عليه إلى أن يمكن الاقتصاص أو عفا وطلب الأرش، فذاك وقد حُكِيَ عن نصِّ الشافعيِّ -رضي الله عنه- ما يناظرُه، قال: لو قطع كفًّا لا أصابع لها، وليَدِ القاطعِ أصابعُ، قلْنا للمجنيِّ عليه: لا يمكنُكَ القصاص في الكفِّ، لأجل الأصابع، فإن اخترت، فاعف، وإلا فاصبر، فلعل أصابع الجاني تذهب، فتأخذ كفه بكفك، ولو بادر المجنيُّ عليه، فقَطَع الوسطَى مع العليا، فقد تَعدَّى، وعليه أرش العليا، وإن أراد طلَبَ الأرْش في الحال للحيلولة، فهل له ذلك؟ فيه وجهان، وقد يُعبَّر عن الخلاف بأن أخْذ المال هل يكون عَفْواً عن القصاصِ، وقد يقال إذا أخذ المال، ثم سقطَتِ العليا، هل يردُّه وَيسْتوفِيَ القصاص؟ قال الإِمام: وكلُّ ذلك راجِعٌ إلى أن الحيلولةَ في القصاص، هل يثبت الرجوعَ إلى المال؟ وشبه الوجهين بالوجهين في أن من أتلف حنطة، وغُرِّم القيمة لإعواز المِثْل، ثم وجد المثْلَ، هل يرد القيمة، ويطالب بالمثل؟ ويالوجهين في أنَّ مَنْ أخذ أرش العَيْب القديم؛ امتنع الرد بالعَيْب الحادث، ثم زال العَيْبُ الحادثُ، هل له أن يرد المبيعَ والأرْشَ، ويستردَّ الثمَنَ؟ وبنى الإِمام وصاحب الكتاب الخلافَ في أنه هل يطالب بأرش الوسطَى في الحال، على أنه إذا ثبت القصاصُ لصبيٍّ أو مجنونٍ، هل لوليِّهما طَلَبُ المالِ في الحالِ؟ وإذا ثبت المّصاص على حاملٍ، هل تُطَالَبُ؛ في الحال بالمالِ؟ فعن نصِّ الشافعيِّ -رضي الله عنه- أنه لو قُتِلَ إنسانٌ، ووارثُهُ مجنونٌ، يجوز لوليه أخذُ الدية، وعن نصه -رضي الله عنه- فيما إذا ثبت القصاص لصبيٍّ: أن وليَّه لا يأخُذ المال، فجرى جَارُونَ على النَّصيْن، والفَرْق أن الجنون ليستْ له غايةٌ منتظرةٌ، فلو لم نُجَوِّز أخْذَ المال، ولا سبيل إلى استيفاء القصاص، كان ذلك قريبًا من التعطيل، والصبيُّ له غاية منتظرةٌ، وهو البلوغ، وعن بعْضِهم: التصرُّف فيهما، والتخريج من كل واحدٍ منهما في الآخَر، ولو ثبَتَ القِصاصُ على حاملٍ، فعن الصيدلانىِّ: أن في طلب المستحق الديَةَ في الحال مِثْلَ الخلافِ المذكورِ في أن وَليِّ الصبيِّ هل يَطْلُبُ؛ لأن لوضع العمل أمدًا يُنْتظَرُ، كما لزوال الصِبا.

فإذا عُرِفَ ذلك، فزوال العلْيا في مسألة الأُنْملُةِ يشبه بمسألة الجنون؛ لأنه ليس له غاية منتظرةٌ كإفاقة المجنون، والظاهرُ عنْد الأئمة أنه ليس له أخْذُ المال، إذا لم يعْفُ وقالوا: إن أخْذه الديةَ عفْوٌ عن القصاص، والظاهر في المجنونِ أن لوليِّه أخْذَ المال، ولكن لا على الإطلاق، كان حكى الإِمام النصَّ في المجنون مطلقاً، وكذا ذكره القاضي الرويانيُّ عن رواية أبي إسحاق الخرَّاط، بل يشترط أن يكون فقيراً، فإن كان غنياً، فالظاهر أنه لا تُؤْخَذ، وفي الصبيِّ الفقيرِ الظاهرُ أنه لا يَأْخُذ، وقطعوا به فيما إذا كان غنيّاً، أو كان له قريبٌ يُنْفِق عليه، وقد سبق هذا كلُّه في اللقيط، إذا ثبت له القصاصُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015