قَالَ الغَزَالِيُّ: ثُمَّ فِيهِ مَسَائِلُ: (إِحْدَاهَا) لَوْ قَالَ لامْرَأةٍ: زَنَيْتُ بِكِ فَهذَا إِقْرَارٌ وَقَذْفٌ* فَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ: زَنَيْتُ بِكِ وَأرَادَتْ زِناً قَبْلَ النِّكَاحِ فَعَلَيْهَا حَدُّ الزِّنَا وَحَدُّ القَذْفِ وَسَقَطَ الحَدُّ عنِ الزَّوْجِ* وَإِنْ قَالَتْ: أَرَدتُّ نَفْيِ الزِّنَا لأَنِّي لَمْ يُجَامِعْني غَيْرُهُ فِي النِّكَاحِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا وَيَبْقَى حَدُّ القَذْفِ عَلَى الزَّوْجِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: مُفْتَتَح الفصّل كالقاعدة المؤسسة لألفاظ القَذْف، وعقَّبها بمسائل تتعلَّق بها، وتوضحها.

فمنها: إذا قال لامرأته أو لأجنبية: زنَيْتُ بكِ، فهذا إقرار منْه على نفسه بالزنا، وقذف لها، فعليه حدُّ الزنا والقَذْف، ويُقدَّم حدُّ القذف؛ لأنه حقُّ الآدميِّ، فإن رجع سقط حد الزنا دون القذف. ولو قالت امرأة لزوجها أو لأجنبي: زنَيْتُ بكَ، فكذلك الحُكْم هي مُقِرَّة بزناها، وقاذفة له، هذا هو المشهور، ورأى الإِمام أن لا يُجْعل ذلك قذفًا صريحاً؛ لاحتمال أن يكون (?) المخاطَبُ مسْتَكْرهاً، وانتظام الكلام مع ذلك، وهذا متين، ويؤيِّده ما ذكَرْناه، ولو قال: زنَيْتِ مع فلان، كان ذلك قذفًا لها دون فلان.

فلو قال لامرأته: يا زانية، فقالت: زنَيْتُ بِكَ، أو بِكَ زنَيْتُ، فهو قاذف لها، وليستْ هي بمصرِّحة بالقذف؛ لأن الجواب متردِّد محتَمَلٌ، فإن أرادت حقيقة الزِّنا، وأنهما زَنَيا قبل النكاح، فهي مُقِرَّة على نفسها بالزنا، وقاذفة للزوج ويسْقُط عنه حدُّ القذف؛ لإقرارها, ولكن يُعزَّر للإيذاء كذلك حكاه الصيدلانيُّ عن القَفَّال، وإن أرادت أنها هي التي زنَتْ، وهو لم: يزنِ، كأنها تقول: زنَيْتُ به قبْل النكاح، وهو مجنونٌ أو نائمٌ أو وَطِئَنِي بالشُّبهة، وأنا أعرف صورة الحال، فيسقط عنه حدُّ القذف، ويثبت عليها حدُّ الزنا بإقرارها, ولا تكون قاذفةً، فإن كذبها الزوج، وقال: أردتِّ قذفي، فهي المصدَّقة بيمينها، فإن نكَلَتْ، فحلف، فله حدُّ القذف، ولو قالت: أردتُّ أني لم أزْنِ؛ لأني لم يجامعْني غيره، ولم يجامعني هو إلا في النِّكَاح، فإن كان ذلك زنا، فهو زانٍ أيضاً أو إن قالت: أردتُّ أني لم أزْنِ كما لم يَزْن هو، كما يقول الرجل لغيره: سَرَقْتَ، فيقول: سرَقْتُ معك، ويريد نَفْيَ السرقة عنه، وعن نَفْسِه، فتُصدَّق بيمينها, لاحتمال ما تقوله، وإذا حلَفَتْ، فلا حد عليها، وعلى الزوج حدُّ القذف، وإن نَكَلَت، حَلَف، واستحق حد القذف، ولو قالت المرأة لزوجها: يا زاني، فقال: زنَيْتُ بِكِ ففي جوابه مثل هذا التفصيل، ولو قال لأجنبية: يا زانِيَةُ، أو أنْتِ زانيةٌ، فقالت: زنَيْتُ بِكَ، فقد أطْلَق في "التهذيب": أن ذلك إقرار منها بالزنا، وقذْفٌ له، وقضيَّة ما ذكَرْنا من إرادة نفي الزنا عنه وعن نفسها، كما في مثال السرقة أن لا يفرق بين الزوجة والأجنبية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015