حنيفة، وهذا الخلاف فيمن قدر على الاضطجاع والاستلقاء، أما إذا لم يقدر إلاَّ على إحدى الهيئتين أتى بها، وذكر إمام الحرمين أن هذا الخلاف ليس راجعًا إلى الأول بخلاف ما سبق من الكلام في هيئة القاعد، وإنما هو خلاف فيما يجب؛ لأن أمر الاستقبال يختلف به، وفي المسألة وجه ثالث ضعيف، أنه يضطجع على جنبه الأيمن وأخمصاه إلى القبلة، وإذا صلى على هذه الهيئة المذكورة؛ فإن قدر على الركوع والسجود أتى بهما، إلا أومأ بهما منحنياً، وقرب جبهته من الأرض بحسب الإمكان، وجعل السجود أخفض من الركوع، فإن عجز عن الإشارة بالرأس أومأ بطرفه، فإن لم يقدر على تحريك الأجفان أجرى أفعال الصلاة على قلبه، وإن اعتقل لسانه، أجرى القرآن والأذكار على قلبه، وما دام عاقلاً لا تسقط عنه الصلاة خلافاً لأبي حنيفة حيث قال، إذا عجز عن الإيماء بالرأس لا يصلي ولا يومئ بعينه ولا بقلبه، ثم يقضي بعد البرء، ولمالك حيث قال: لا يصلي ولا يقضي. لنا ما روي عن علي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يُصَلِّي الْمَرِيضُ قَائِماً فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ صَلَّى جَالِسًا فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ السُّجُودَ أَوْمَأَ، وَجَعَلَ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنَ الرُّكُوع فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ صَلَّى عَلَى جَنْبهِ الأَيْمَنَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ صَلَّى عَلَى قَفَاهُ مُسْتَلْقِيًا وَجَعَلَ رِجْلَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ" (?).
وجه الاستدلال أنه قال: "أوْمَأَ بِطَرَفِهِ"، وفيه: دليل على أن العاجز عن القعود يصلي على جنبه الأيمن، فإن عجز حينئذ يستلقي، واحتج في الكتاب للترتيب المذكور لما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعتُمْ "؛ ولا يتضح الاحتجاج به في هذا المقام، لأن هذا الخبر أمر بالإتيان بما يشتمل عليه المأمور عند العجز عن ذلك المأمور فأنه قال: "فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعتُمْ" والقعود المعدول إليه عند العجز لا يشتمل عليه القيام المأمور به حتى يكون مستطاعاً من المأمور به، وكذلك الاضطجاع لا يشتمل عليه القعود وإجراء الأفعال على القلب لا تشتمل عليه الأفعال المأمور بها، ألا ترى أنه إذا أتى بالأفعال ولم يحضرها في ذهنه حين ما يأتي بها أجزأته صلاته، فلا تكون هذه المسائل متناولة بالخبر. ولنعد إلى أمور تتعلق بلفظ الكتاب قوله: (فإن عجز عن القعود صلى على جنبه الأيمن) كلمة (صلى) قد أعلم في النسخ بالخاء؛ لأن المصنف روى في "الوسيط": أن أبا حنيفة -رحمة الله عليه- قال: إذا عجز عن القعود سقطت الصلاة، لكن هذا النقل لا يكاد يلقى في كتبهم ولا في كتب أصحابنا، وإنما الثابت عن أبي حنيفة إسقاط الصلاة إذا عجز عن الإيماء بالرأس فإذاً موضع العلامة بالحاء.
قوله: (فيومئ بالطرف) وليعلم بالميم أيضاً لما قدمنا حكايته وبالواو أيضاً؛ لأن