ركوعه قاعداً ثم في سجوده، فأما في ركوعه فقد ذكر الأئمة فيه عبارتين:
إحداهما: أنه يعني حتى يصير بالإضافة إلى القاعد المنتصب كالرافع قائماً بالإضافة إلى القائم المنتصب فيعرف النسبة بين حالة الانتصاب وبين الركوع قائماً، ويقدر كان المائل من شخصه عند القعود هو قدر قامته فينحنى بمثل تلك النسبة.
والثانية -وهي المذكورة في الكتاب-: أنه ينحني إلى حد تكون النسبة بينه وبين السجود كالنسبة بينهما في حال القيام ومعناه أن أكمل الركوع عند القيام أن ينحني بحيث يستوي ظهره ورقبته ويمدهما، وحينئذ يحاذي جبهته موضع سجوده، وأقله: أن ينحني بحيث تنال راحتاه ركبتيه، وحينئذ يقابل وجهه أو بعض وجهه ما وراء ركبته من الأرض، ويبقى بين الموضع المقابل وبين موضع السجود مسافة، فيراعى هذه النسبة في حال القعود، فأقل ركوع القاعد أن ينحني قدر ما يحاذي وجهه وراء ركبته من الأرض، والأكمل أن ينحني بحيث تحاذي جبهته موضع سجوده ولا يخفى أنه لا منافاة بين العبارتين، وكل واحدة منهما مؤدية للغرض.
وأما السجود: فلا فرق فيه بينه وبين القادر على القيام، هذا إذا قدر القاعد على الركوع والسجود، فإن عجز لعلة بظهره أو غيرها أتى بالقدر الممكن من الانحناء.
ولو قدر على الركوع وعجز عن وضع الجبهة على الأرض للسجود فقد قال في الكتاب: إنه ينحني للسجود أخفض منه للركوع، ويجب هاهنا معرفة شيئين:
أحدهما: أن هذا الكلام غير مجرى على إطلاقه، ولكن للمسألة ثلاث صور أوردها صاحب "النهاية":
احداها: أن يقدر على الانحناء إلى حد أقل الركوع، أعني ركوع القاعدين، ولا يقدر على الزيادة عليه، فلا يجوز تقسيم المقدور عليه من الانحناء إلى الركوع والسجود بأن يصرف بعضه إلى الركوع وتمامه إلى السجود حتى يكون الانحناء للسجود أخفض، وذلك لأنه يتضمن ترك الركوع مع القدرة عليه، بل يأتي بالمقدور عليه مرة للركوع ومرة للسجود وإن استويا.
الثانية: أن يقدر على أكمل ركوع القاعدين من غير زيادة فله أن يأتي به مرتين، ولا يلزمه الاقتصار للركوع على حد الأقل حتى يظهر التفاوت بينه وبين السجود، فإن المنع من إتمام الركوع في حالة الركوع بعيد.
الثالثة: أن يقدر على أكمل الركوع وزيادة، فيجب هاهنا أن يقتصر على حد الكمال للركوع ويأتي بالزيادة للسجود؛ لأن الفرق بين الركوع والسجود واجب عند الإمكان وهو ممكن هاهنا. قال إمام الحرمين: وليس هذا عرياً عن احتمال فليتأمل.