يُوجِبِ اسْتِئْنَافَ المُدَّةِ بِخِلاَفِ الطَّلاَقِ الرَّجْعِيِّ وَالرِّدَّةِ* أَمَّا صَوْمُهَا فَلاَ يَمْنَعُ مِنَ احْتِسَابِ المُدَّةِ وَلاَ حَيْضُهَا وَإِنْ كَانَ يَمْنَعُ طَلَبَ الوَطْءِ فِي الحَالِ.
قَالَ الرَّافِعِي: مقصود الفصْل بَيَان ما يَمنع الاحتساب بالمدَّة، إما بأن يقارن ابتداء الإيلاء، فيمنع ابتداء الاحتساب أو يطرأ في أثناء المُدَّة، فيقطعها، ويمنع استدامة الاحتساب، وفيه مسألتان:
إحداهما: قد مر في أول الكتاب أنَّه إذا آلَى عن الرجعية، صحَّ، والمدة إنما تُحْتَسَب من وقْت الرجعة لا من وقت اليمين، ولو آلى عن زوجته، ثم طلَّقها طلاقًا رجعيًا، انقطعت المدة، لاختلال النكاح، وجريانها إلى حال البينونة، وإذا كانت في زمان يقتضي [قضية] البينونة، لم يجز احتسابه من مدَّةٍ تَقْتَضِي مُضيُّها المطالبَةَ بالوطء، فلو راجعها بعْد ذلك، استؤنفت المدة؛ لأن المطالبة مَنُوطَةٌ بالإضرار والإيذاء في الأشهر الأربعة على التوالي في النكاح السليم.
وقوله في الكتاب "ليتوالى الإضرار" أي لا بد من إضرار هذا حاله؛ لتتمكَّن من الطَّلب ولو ارتد أحَدُ الزوجين بعْد الدخول في المدة، فتنقطع المدة أيضاً، ولا يُحْتَسب زمان الردَة منها؛ لأن الردة تؤَثّر في قَطْع النكاح، كالطلاق، وإذا عاد من ارتد منهما إلى الإِسلام قبْل انقضاء مدة العدة، استؤنفت المدة، هذا هو المذهب المشهور، وفي رِدَّة الرجُل وجْه أنَّه إذا عاد بني على المدة، ولا يستأنف، بخلاف الطلاق؛ لأنه إذا عاد المرتد إلَى الإسْلاَم، تبيَّن أن النكاح لم يتحرَّم، وبالرجعة لا يهدم الطلاق الماضي، وفي كتاب القاضي ابن كج أن أبا القاسم الأنماطيَّ ذكر ذلك على سبيل الاحتمال فيما علَّق عنْه أبو العبَّاس بن سُرَيْج، وحكى أبو الفرج السرخسي وجْهًا: أن ردته لا تَقْطَع الاحتساب، كمرضه وسائر الأعذار فيه، وزاد صاحب "التتمة" فنقل في الرَّجعة أيضاً وجْهًا مُخرَّجًا أنه يبني المدة على ما مَضَى، ولا يستأنف؛ أخذاً من الخلاف فيما إذا راجَع المُطلَّقة، ثم طلَّقها أخْرَى قَبْلَ أن يدْخل بها، يستأنف العدة أو يبني، ولْيُعْلَم؛ لذلك قولُه في الكتاب "استؤنفت المدة" ولو جدَّد النكاح بعْد ما بَانَت الرَّجعيَّة أو كان الطلاق بائنًا أو بَعْد حصول البينونة بالردة، إما بالإضرار أو بأن كانت الردة قبْل الدخول، وقلنا: يعود الإيلاء، فتستأنف المدة أيضاً، وهذه الصورة أولى بالاستئناف، لأنه نكاح آخر، ولو طلقها بعد مضي المدة طلقةً رجعية، إما بمطالبتها، أو ابتداء (?) ثمَّ راجعها، فيعود الإيلاء، وتستأنف المدة، إن كان اليمينُ علَى التأييد، أو كانت مؤقتةً، وقد بقي من وقت اليمين مدة الإيلاء؛ لأن المَنَافِع من وقْت الوطء باقية والمضارّة