قال الشَّافعي -رضي الله عنه-: وهذه المدَّة حقُّ الزوج، كالأجل في الدَّيْن المؤجل؛ فإنَّه حقُّ المديون، وتحتسب (?) من وقْت الإيلاء، ولا يحتاج إلى ضَرْب القاضي، بخلاف مدة العُنَّة لِمَا ذكرنا [هـ] هناك، ولا فَرْق فيها بَيْن أن يكون الزوجان حُرَّيْن أو رقيقَيْنِ أو أحدهما والآخر رقيقاً؛ لأنَّها شرعت لأمر جِبِلِّيٍّ، وهو قلَّة الصبر عن الزوج، وما يتعلق بالجبلة والطبع لا يختلف بالحُرِّيَّة والرِّق، كم ذكَرْنا في مدة العُنَّة، وكمُدَّتَي الرضاع والحيض.
وعند أبي حنيفة ومالك -رحمهما الله- تنتصف بالرِّق، ثم أبو حنيفة ينصفها برق الزوجة، ومالكٌ برِقِّ الزَّوج، كما هو مذهبهما في الطلاق، وعن أحمد روايتان: إحداهما: كمذهبنا، والأخرى: كمذهب أبي حنيفة، فيجوز أن يُعْلَم؛ لذلك قولُه "وَتَرَبُّصُ الأَمَةِ أَرْبَعَةُ أَشْهَرٍ" بالحاء والألف، وقوله "كهو عن الحُرِّ" بالميم، وقوله في الكتاب "فإذا قال: والله لا أُجامِعُك" إلى قوله "طَلَّق القاضي عليه" غير محتاج إلَيْه في هذا الموضع، أما التصويرُ بقَوْله ["فإذا قال:] (?) والله، لا أجامِعُك" فظاهر؛ لأن صورة الإيلاء قد تقرَّرت، وتكررت، وأمَّا ما سواه فلأن المقصود هاهنا الكلام في المدَّة، فلو قال: ضرب المدة، فيُمْهَلَ المُولِي أربعة أشهر ووصل قوله ولا تحتاج المدة إلى ضرب القاضي تبين أنَّه لو وَطئَ في المُدَّة، انحلت اليمين، ولا مطالبة ولا رفع بعد انقضائها، والثانية: قوله "ليأمره بالفيئة، فإن أبى طلَّق القاضي عَليْه" يبين أنه لا يطالبه بالطلاق ابتداءً وإنما تطالب المرأة بالاستمتاع الذي هو حقُّها، فإذا لم يُوفِ، يأمْره الحاكم بإزالة الضَّرر عنها بالطلاق، وهذا لفْظ صاحب "التتمة" وعلى هذا فحَيْث قلْنا "يأمره القاضي بالفيئة أو الطلاق" يعبر عن مجموع ما يأمره به، ويجوز أن يُعْلَم قوله "رفعته إلى القاضي" بالحاء؛ لما مر أن عنْده تَطلَّق بنفس مُضيِّ المدة؛ فلا حاجة إلى الرفع، وقوله "طَلَّق القاضي علَيْه" يجوز إعلامه بالواو، ويقول آخر سيأتي إن شاء الله تعالى في الحكم الثَّالث.
قَالَ الغَزَالِيُّ: وَتَنْقَطِعُ المُدَةُ بِالطَّلاَقِ الرَّجْعِيِّ وَالرِّدَّةِ فَإِذَا رَاجَعَهَا أَوْ عَادَتِ اسْتُؤْنِفَتِ المُدَّةُ لِيَتَوَالَى الإِضْرَارُ* وَكَذَلِكَ إِذَا طَلَّقَ طَلاَقاً رَجْعِيًّا بَعْدَ المُدَةِ* وَكَذَلِكَ لَوِ ارْتَدَّ اسْتأْنفِ المُدَّةَ عِنْدَ العَوْدِ* وَأَمَّا طَرَيَانُ الصَّوْمِ وَالإِحْرَامِ عَلَيْهِ لاَ يَقْطَعُ المُدَّةَ* وَكَذَلِكَ مَرَضُهُ وَحَبْسُهُ وَجُنُونُهُ* فَإِنْ كَانَ المَانِعُ فيهَا مَنْعَ احْتِسَابِ المُدَّةِ كَصِغَرِهَا وَجُنُونِهَا وَحَبْسِهَا وَمَرَضِهَا العَظِيمِ* وَلَكِنْ لَوْ طَرَأَتْ ثُمَّ زَالَتْ المُدَّةَ بَلْ تَبْنِي عَلَى المَاضِي فِي أَظْهَرِ الوَجْهَيْنِ* أَمَّا إِذَا طَرَأَت بَعْدَ المُدَّةِ مُنِعَتِ المُطَالَبَة فِي الحَالِ* وَلَكِنْ إِذَا زَالَ لَمْ