المُكَافَأَةَ طُلِّقَتْ بِكُلِّ حَالٍ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ فَلاَ تُطَلَّقُ إِلاَّ بِوُجُودِ الخِسَّةِ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَالعُرْفُ يَقْضِي بِأَنْ يُحْمَلَ اللَّفْظُ عَلَى المُكَافَاَةِ فَقَدْ تَرَدَّدَ اللَّفْظُ وَالصِّيغَةُ للِتَّعْلِيقِ وَهُوَ أَوْلَى هَهُنَا.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: هذه الصورة مثَالٌ لتعلُّقات (?) تجري في المخاصمة والمشاتمة بَيْن الزوجين، وموضعهما في الأغلب إذا واجَهَتِ المرأة زَوْجَها بمكروه، وأسمعته قبيحاً فيقول الزوج على سبيل المكافأة: إن كُنْتُ كذلك، فأنتِ طالقٌ، يريد أن يَغِيظَها بالطلاق، كما غاظَتْه بالشَّتْم وإسماع المكروه، وكأنَّه يقول: تزعمين أنِّي كذا، فأنتِ طالقٌ إذنْ فإذا قالت له: يا خسيسُ، فقال: إن كنْتُ كذلك، فأنتِ طالقٌ، نُظِرَ، إن أراد المكافأة، كما أوضحناها، طُلِّقَت، سواء كان خسيسًا أو لم يكْن، وإن قصد التعليق، لم تُطلَّق إلا بوجود الخسَّة كما هو سبيل التعليقات قال أبو الحسن العبَّادي: الخسيسُ مَنْ بَاع دينه بدُنْياه وأخس الأخساء من باع دينه بدنيا غيْره، ويشبه أن يقال: الخسيس في العرف، من يتعاطى ما لا يليق بحاله؛ لشدة البُخْل، فإن وقَعَت الصفة المذكورة في مَحَلِّ الإِشكال، وكثيراً ما يَتَّفِق ذلك في أنواع الشتم والإيذاء، فالأصل أن لا طَلاَق، وإن أطلق اللَّفْظ، ولم يَقْصِدْ المكافأة، ولا حقيقة التعليق، جريْنا عَلَى حقيقة اللفْظ، وهي التعليق، فإن عم العرف بالمكافأة كان على الخلاف الَّذي سبَق في أنه يراعي وضع اللَّفْظ أو العرف، والأصح، وهو المذكور في "التتمة" أنَّه يراعي اللَّفْظ ولا يكاد يطّرد عرف في مثْل ذلك، وجواب القاضي الحُسين يوافِقُ الوجْه الآخر، فإنه قال في فتاويه: لو قالت المرأة لزوجها (مراز تويسك دارد) (?) فهي طالق، فظاهره المكافأة، فيقع الطلاق، فإن ادَّعَى أنه أراد التعليق، صُدِّق بيمينه، فإذا حلف، فقالت المرأة بعد ذلك (ازتويسك مى دارم) (?) صُدِّقت، ووقع الطلاق، قال: ولو سكتَتْ، واختلعت، ثم قالت: كُنْتُ مستنكفة منْك، فالطلاق واقع، والخُلْع باطل، لم يُقْبل قولها؛ لأنَّها تسقط بدْل الخُلْع عن نفسها, ولو قالت يا سفيهُ، فقال إن كنُتُ كذلك، فأنتِ طالقٌ فإن قَصَد المكافأة، طُلِّقت في الحال، وإن قَصَد التعليق، طُلِّقت، إن كان سفيهًا، وإن أطْلَق، فعلى الخلاف، ويمكن أن يُحْمَل السفه، على ما يوجب الحَجْر، وعلى هذا نظائرُ ما يقع به الشتْم والإِيذاء وتكلموا في كلمات يدخل بعضها في حد الإِفحْاش ففي "التتمة" أن القوَّاد مَنْ يحمل الرجال إلى أهِلْه، ويخلى بينهم وبيْن الأهل، وُيشْبه أن لا يختص هذا الاسْم بالأهل بل هو الذي يجمع بين الرجال والنساء بالحرام (?)، وأن القرطبان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015