يقع الطلاق؛ لأنَّه يُخْبِر عما يَفْعَل في المستقبل. ولو كان في يدها كوز مَاءٍ، فقال: إن قلبت هذا الماء، فأنتِ طالقٌ، وإن تركتيه فانتِ طالقٌ، وإن شربتيه أو غيرك، فأنتِ طالقٌ، فيَحْصُل الخلاص؛ بأن تضع فيه خرقة فتبلها به.

ولو كانت في ماء جار، فقال لها: إن مَكَثت فيه، فأنتِ طالقٌ وإن خرجت منْه، فأنتِ طالقٌ، قال الأصحاب لا تُطْلَق مكثت أو خرجت؛ لأن ذلك الماء قد فارقها، بجريانه ويجيء فيه ما ذكره الإِمام للعُرف، وإن كان الماء راكداً، فالطريق أن يحملها إنسانٌ في الحال، ولو قال إن لَم تَعُدِّي الجوز الَّذي في هذا البَيْت اليوم، فأنْتِ طالقٌ، فقد حَكَى الإِمام في طريق البِرِّ وجهَيْن:

أحدهما: أنها تأخذ من عدد تستيقنه وتزيد علَيْه واحداً بعْد واحد، حتى تنتهي إلى العدد الذي تستيقن أنه لا يزيد عليه، كما ذكرنا فيما إذا قال: إن لم تخبريني عن عدده.

والثاني: يلزم أن تبتدئ من الواحد وتزيد حتَّى تنتهي إلى الاستيقان، قال: واكتفوا على الوجهَيْن بذكْر اللسان، ولم يعتبروا تولي العد، ولست أرى الأمر كذلك، فإنَّ من جَلَس بعيدًا عن البيت الذي فيه، الجوز، وأخذ يذكر الأعْداد، لا يُسَمَّى عادًّا، نعم، لو كان يرمق الواحد بعد الواحد، ويضبط، فهذا يُقَام مقام الفعل باليد ويعد عدًّا، وأما قوله في الكتاب "ومهْمَا كان لفظه مفْهُوم في العرف، ووضع في اللسان فعلى أيِّهما يُحْمَل؟ [فيه تردد] " (?) فهو إشارة إلى أصل، نبني هذه الصور وأجناسه عليه، والمقصودُ أنَّه لا بُدَّ من النظر في مثْل هذه التعليقات في وضع اللسان، وفيما يَتَبَادَرُ إلى الفهْم معَها في العُرْف الغالب، فإن تطابَقَ الوَضْع والعرف، فذاك، وإن اختلَفَا، وكان المَفْهُوم في العُرْف منْه شيئاً، وحقيقة الوضع شيئاً آخر، فالاعتبار للوضع أو العرف؟ فيه طريقان، كلام الأصحاب يميل إلى اعتبار الوضع، واستحب الإِمام اتباع العُرْف، وساعده صاحب الكتاب، وذكَرَ كما ذكَرْنا في قوله إن لم تميزي نوى ما أكلتُ عن نوى ما أكلْتِ فإن حقيقته بالوَضْع الفعْلُ وَالتَّفريق، والمفهومُ منْه في العرفِ الغالبِ التعيينُ، وردَّد مثْل ذلك في صُوَر أخرى، ثم بَيِّن بقوله: "والتحقيق أن ذلك لا يضبط" أنه لا يمكن ترجيح أحَدِ الجانبين، وإدارة الحُكْم عليه على الاطراد والإطلاق، ولكن تختلف الحال فيه باختلاف العُرْف اطرادًا أو اضطراباً، ويكفيه دلالةُ اللَّفْظ على المَعْنَى قوةً وضعفًا؛ فقد يقوى العرف، ويترجَّح، فيقتضي هجران الوَضْع، وقد يضطرب، فيُؤْخَذ بمقتضى الوضع، وعلى الناظر التأمل والاجتهاد فيما يستقبله، والله (?) الموفق.

قَالَ الغَزَالِيُّ: وَلَوْ قَالَتْ: يا خَسِيسُ فَقَالَ: إِنْ كُنْتُ كَذَلِكَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنْ قَصَدَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015