وقوله: {قَدْ فَرَضَ الله لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 1] أي قد أوجَبَ عليكم كفَّارة أيمانكم، فعُرفَ بالقصة وجوبُ الكفارة في تحريم الأَمة، وقاس الشافعيُّ -رضي الله عنه- تحْريم الزَّوْجة عليْه بأنه تحريمٌ من حين يحرمانه، ثم الكفَّارة المتعلقة بقَوْله للزوجة: أنْتِ عليَّ حرامٌ مع نيَّة التحريم، متى تلزم عن رواية صاحب " التقْريب" وأبي يعقوب الأبيوردي (?) وغيرهما وجه: أنَّما تلزم إذا أصابها، ويكون هذا اللفظ مع نيَّة التحريم بمثابة الحَلِف على تَرْك الإِصابة.
ولو حلف ألاَّ يصيبها فإنما يلزمه الكفَّارة إذا أصاب، وقد يتبادر إلى الفَهْم من قوله تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ جَعْلُ هذا اللفظ يميناً، وربما احْتُجَّ له بان الشافعيَّ -رحمه الله- قال في "الإِملاء" وإن نَوَى الإِصابة قُلْنا: "أَصبْت" وكَفِّر أشعر ذلك بتعليق الكفَّارة بالإِصابة؛ وعلى هذا الوجه، يصير موليا بقوله أنْتِ عليَّ حرامٌ؛ لوجوب الكفارة لو وطئها، ويكون بمثابة قوله: والله لا أطَؤُك، والصحيح أن الكفارة تلْزَم في الحال؛ لأن الله -تعالى- فَرَض الكفَّارة من غير شرْط الإِصابة، والكفارةُ الواجبَةُ مثْل كفارة اليمين، وليست هي كفَّارة اليمين، وكيف يجعل قولُه: أنْتِ عليَّ حرامٌ يميناً، ومعلومٌ أَن اليمين إِنَّما تنعقد بالله تعالى أو بصفة من صفاته، وقول الشَّافعي: أصب وكفِّرْ، أراد به أن يُبَيِّن أن الإِصابة لا تَحْرُم قبل التكفير، بخلاف الظِّهَار، وإذا قلْنَا بالصحيح فلو قال: أردتُّ بقولي: أنْتِ عليَّ حرامٌ الحَلِفَ على الامتناع من الوطء ففي قبوله وجْهان حكاهما الإِمام -رحمه الله-.
أحدهما: أنه يقبل ويثْبُت القسم؛ لأن موجب القَسَم عنْد الحَنِث يُضَاهي موجب التحريم.
وأَظهرهما: المَنْع؛ لأن اليمين إنما ينعقد بذِكْر اسم معظَّم، والتحريمُ ليس صريحاً فيه ولا كناية، وليس فيه إِلا ذكْر المُقْسَم عليه، وعلى الأَوَّل تردَّدوا في أن