والثالث: ذَكَره في "التهذيب" أنَّه يكون ظِهَاراً؛ لأن الأصل بقاء النكاح، هذا إذا نواهما معاً، فإن نوى أحدهما قيل الآخر، فعن ابن الحدَّاد؛ أنَّه إن أراد الظِّهَار ثم أراد الطَّلاَق صحَّا جميعاً، وإن أراد الطَّلاق أولاً فإن كان بائناً، فلا معْنَى للظهار بعْده، وإن كان رجْعياً، وكان الظهار موقوفاً فإن راجعها فهُو صحيح والرجعة، عَوْد، وإلاَّ فهُوَ لَغْوٌ (?).
قال الشيخ أبو علي: وهذا فاسدٌ عندي؛ لأن اللفظ الواحد إذا لم يجز أن يراد به التصرفان، فلا يفترق [في] الحكم بين أن يريدهما معاً أو يريد هذا ثم يريد هذا، وأيضاً، فإنه إذا نواهما على التعاقُبِ كانَتْ كل واحدة من النيتين مقارنةً لبعض اللفظ، لا لجميعه، وفي ذلك خلافٌ سيأتي.
قال: وموضع هذا النَّظَر والتفصيل ما إذا قال: أنتِ على حرامٌ كظهر أمي، يجمع بين اللفظين، وهذه الصورة بتفصيلها مذكورةٌ في الكتاب في "باب الظِّهار"، وإن نوى تحْريم عيْنِها أو فرْجِها أو وطْئها، [لم تحْرُمْ] (?) عليه؛ رُوِيَ أن رجُلاً أتى إلى ابن عبَّاس -رضي الله عنهما- فقال: "إني جَعَلْتُ امْرأتِي عليَّ حَرَاماً" فقال: كذَبْتَ ليست عليْكَ بحرام، ثم تلا قوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ الله لَكَ} (?) [التحريم: 1] يلزمه كفَّارة يمين؛ لأنه لو خاطَب أمَتَه بذلك، لزمَتْه الكفَّارة، وفيه نَزَلَ قَوْلُه تعالى، لمَّا حرَّم النبي -صلى الله عليه وسلم- ماريَةَ على نَفْسِه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ الله لَكَ} [التحريم: 1] الآية إلى أن قال: {قَدْ فَرَضَ الله لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] وذلك أن النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- أَتَى مَنْزِلَ حَفْصَة -رضِيَ اللهُ عَنْها- وَلَمْ يِجدْهَا وَكَانَتْ قَدْ خَرَجَتْ إلى بَيْتِ أَبِيْهَا -رَضي الله عَنْه- فَدَعَا أَمَتَه مارِيَة إِلَيْهِ فَأتَتْ حَفْصَة، وَعَرَفَتْ الحال فغضبت، وقالت: يا رسول اللهِ في بَيْتي، وفي يَوْمِي، وَعَلَى فِرَاشِي، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يَسْتَرضِيْهَا: إِني أُسِرُّ إليكِ سِرًّا فاكتميه، هي عليَّ حَرَامٌ، ووردت الآيات (?).