والثَّاني: أنَّه يجوز أن يوكِّل الواحدُ طرفَي الخُلْع, لأنَّ الخُلْع يكْفي فِيهِ اللَّفْظ من أحد الجانبين والإِعطاء من الآخر؛ ألا ترى أنَّه لَوْ قال: إن أعْطَيْتِنِي ألْفاً فأنْتِ طالق، فاعطتْه، وقع الطلاق، وثبت الخُلْع ومقصوده؛ وعلى هذا ففي الاكتفاء بأحد شِقَّي العقد خلافٌ، كما في بيع الأب مالَ نَفْسه من ولده، والوجهان في تولِّي طرفَيِ الخلع مبنيان على منعه في طرفي البَيْع، والنكاح، وسائر العقود، وقد ذكرنا فيها وجْهاً آخر في "الوكالة"؛ أنَّه يجوز تولي الطرفين، فعلى ذلك الوجه الخُلْعُ أوْلَى بالجواز.
قَالَ الغَزَالِيُّ: وَلَوْ خَالَعَهَا عَلَى أَنْ تُرْضِعَ وَلَدَهُ حَوْلَيْنِ وَتَحْضنَهُ صَحَّ، فَإِنْ أَضَافَ إِلَيْهِ نَفَقَةَ عَشْرِ سِنِينَ وَكَانَ مِمَّا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ وَوَصَفَهُ خُرِّجَ عَلَى الجَمْعِ بَيْنَ صَفْقَتَيْنِ مُخْتَلَفَتَيْنِ، فَإِنْ أَفْسَدْنَا وَقَعَتِ البَيْنُونَةُ بِمَهْرِ المِثْلِ عَلَى قَوْلٍ، وَبِقِيَمِ المَوصُفَاتِ عَلَى قَوْلٍ، فَإنْ صَحَّحْنَا فَعَاشَ الوَلَدُ اسْتَوْفَاهُ، فَإِنْ كَانَ زَهِيداً فَالزِّيَادَةُ لِلزَّوْجِ، وَإِنْ كَانَ رَغِيباً فَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ، فَلَوْ مَاتَ انفَسَخَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَخُرِّجَ فِي المَاضِي عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.
قال الرَّافِعِيُّ: عوَض الخُلْع، كما يجوز أن يكُونَ عَيناً، يجوز أن يكون مَنْفَعَة، ويشترط في المنفعة أن تكُونَ معلومةً مستجمِعةً للشرائط المذكورة في الإِجارة، فإذا خالع زوجَتَه، على حَضانَة ولده مدَّةً معلومةً، جاز، ولو خالَعَها على إرضاعه، فكذلك، سواءٌ كان الولدُ منها، أو من غيرها، ويشبه أن يكون الكَلاَمُ في الجمع بينهما، واستتباع أحدهما للآخر إذا أفْرَد، كالكلام في الإِجارة، وفي جواز إبْدَال الصبيِّ المعين بمثْلِه، وانفساخ العَقْد بموته اختلاف مذْكور "في الإِجارة"، وأكثرهم يميل إيراده إلى ترجيح الانْفِسَاخ، وهو المنصوص في المختصر وأكْثر الكُتُب، وامتناع الصبيِّ من الارتضاع والْتِقَام الثَّدْي كالموت، وإذا قلْنا بانفساخ العَقْد عند موْتِه فذلك فيما بَقِيَ من مدة الإِرضاع، وهل ينفسخ فيما مَضَى؟ فيه قولان من جِهَة تفريق الصفقة، كما لو انهدمت الدَّارُ في المدة المستأجرة، الأصَحُّ المنع، ومنهم من يقْطَع به، فإنِ انفسخ فيما مضى أيْضاً، فيرجع عليها بمهر المثل في أصح القولين، وبأجرة مثْل الإِرضاع في تلْك المدَّة في الثاني، كما لو خالَعَها على مال، فخرج مستحقاً، وعلى الزوج أجْرة الإِرضاع للمدة الماضية، وإن لم تنفسِخْ فيما مضى فعلى أصحِّ القولين يرجع بقسط المدة الباقية من مهر المثل، إذا وزَّع مهر المثل على المدتين، وعلى الثاني يرجع بأجْرة مثْل ما بقي من المدَّة، وإن قلْنا: لا ينْفَسِخ العقد؛ فإن أتى بصَبِيِّ مثله لترضعه فذاك، وإن لم يأتِ به مع الإِمْكان حتى مضَتِ المدة فوجهان:
أحدهما: يبطل حقَّه، ولا شيء عليها، كما لو لم ينتفع بالمستأجر بعد قبْضه تستقر عليه الأُجْرة.