المبعوثان من أهلهما؛ لظاهر الآية وذكروا في جواز الاقتِصَارِ على حَكَم واحد وجْهَيْن، جواب القاضي ابن كج فيهما المَنْع؛ لأنه إذا كان واحداً، اتهمه كل واحد من الزوجين ولم يُفْشِ إليه سِرَّهُ بتمامه، وقد يحتج له بظاهر الآية ويُشْبِه أن يقال إن جعلناه، فلا يشترط العدد، وإن جعلناه تحكيماً توكيلاً فكذلك إلاَّ في الخُلْع، فيكون على الخِلاَف في تولِّي الواحد [أحد] طرفي العَقْد، وينبغي أن يخْلُو حَكَمُ الرجل بالرجل وحَكَمُ المرأة بالمرأة فيعرفان ما عندهما وما فيه رغبتهما، وإذا اجتمعا لم يُخْفِ أحدُهما عن الآخر ما عنده، ونَفَّذا ما رأياه صواباً، وإذا اختلف رأي الحَكَمَيْن بَعَث إليهما آخرين حتى يجتمعا على شَيْء؛ ذكره الحناطي.
وإذا جُنَّ أحد الزوجين، أو أُغْمِيَ عليه، لم يَجُزْ بعْث الحكمين بعده، وإن جُنَّ بعد استطلاع الحكمين، رأيه لم يَجُزْ تنفيذُ الأَمْر لأنَّهُمَا إنْ جعلا فيه وكيلين، فالوكيل ينعزل بالجُنُون، وإن جعلا حكمين، فلا بُدَّ من دوام الشِّقَاق والخصومة؛ ألا تَرَى أنهما لو عَادَا إلى الصَّلاَح لم يجُزِ التفريق بينهما وبعد الجنون، ولا يعرف دوام الخصومة والشِّقَاق، وفي شرح القاضي ابن كج أنَّه لا يؤَثِّر جنون أحد الزوجين على قولنا إنهما حاكمان وحكى الحناطي وجْهاً على قوْلنا إنه وكالة؛ أن الإِغماء لا يُؤَثِّرُ فيه كالنَوْم، وهذا ينبغي أن يجري في كل وكالة.
ولو غاب أحد الزوجين بَعْد بعث الحَكَمَيْن، نفذ الأمر إن قلنا، إنه توكيل، وإن قلْنَا: تحكيم لم ينفذ, لأنه لا يعرف بقاء الشقاق والخصومة بينهما, ولأن كل واحد منْهُمَا محكومٌ له وعلَيْه، ولا يجوز القَضَاء للغَائِب وفيه وجْه أنَّه يجوز تنفيذُ الأَمْرِ مَعَ الغَيْبَة، ولا يشترط دوام الخصومة وطرد هذا الوجه فيما إذا سَكَتَ أحدهما.
فروع: ولو وكَّل رجلاً، فقال: إذا أخَذْتَ مالي منها، فطلِّقْها أو خَالِعْها أوْ خُذْ مالي ثم طلِّقْها, لم يجُزْ تقديم الطلاق على أخْذِ المال، قال أبو الفرج الزاز؛ وكذلك لو قال: خالِعْها على أن تَأْخُذَ مالي منْها, ولو قال: خذ مالي وطلِّقْها، فهل يشترط تقديم أخذ المال، أم لا يشترط، ويجوز تقديم الطلاق، كما لو قال طلِّقْها وخُذْ مَالِي منْها فيه وجهان رجح صاحب التَّهْذِيب منهما (?) الأَوَّلَ وقال: لو قال: طَلِّقْهَا ثمَّ خُذ مالي منها، جاز تقديم أخْذِ المَالِ على الطَّلاَق؛ فإنه زيادةُ خَيْر، وذكر الحناطي أنَّه إذا بعث القاضي حَكَمَيْنِ فرأى أحدُهما الإِصلاَح، والآخَرُ التفريقَ، ففرق نفذ التفريق، إن جوَّزْنَا الاقتصار على حكم واحد والله أعلم.