وأما الكثير فينجس إذا تغير بالنجاسة لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "خُلِقَ المَاءُ طَهُوراً" الخبر نص على الطَّعْم، والريح، وقاس الشافعي -رضي الله عنه- اللون عليهما (?)، وإن لم يتغير نُظِر إن كانَ ذلك لِقِلَّةِ النجاسة واستهلاكها فيه لم ينجس الماء لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لَمْ يَحْمِل خَبَثاً" (?) وهل يستعمل جميع ذلك الماء أم يبقى قدر النجاسة؟ فيه الوجهان المذكوران من قبل، وإن كان عدم التغير لموافقتها الماء في الأوصاف فيقدر بما يخالف على ما سبق، ثم لو طال مُكْثُ الماء وزال تغيره بنفسه، عاد طهوراً؛ لأن الأصل في الماء الطهورية، وإنما حكمنا بنجاسة الكثير منه لمكان التغير، فإذا زال سبب النجاسة عمل المقتضى للطهارة عمله، وحكى في التَّتِمَّةِ (?) وجها عن الإصْطَخرِيِّ أنه إذا زال التغير بنفسه لا يطهر وكما لم ينجس إلا بوارد عليه لا يطهر إلا بوارد عليه، ولو طرح فيه المسك (فلم توجد رائحة النجاسة، أو الزعفران) (?)، فلم يوجد لونها، أو الخَلّ فلم يوجد طعمها، فلا يعود طهوراً، لأنا لا ندري أنَّ أوصاف النجاسة زالت أم غلب عليها المطروح فيه فسترها؛ بل الظاهر الاستتار ألا ترى أن ذكاء رائحة المسك يغلب الروائح الكريهة بحيث لا يحس بها ثم إذا فَتَرَت رائحةُ المِسْكِ حصل الإحساس بها، وإن طرح فيه التراب فلم يكف التغير فهل يعود طهوراً؟ فيه قولان: أحدهما -ويروى عن المزني- نعم؛ لأن التراب لا يغلب عليه شيء من الأوصاف الثلاثة حتى يفرض ستره إياها، فإذا لم يصادف تغييرًا أشعر ذلك بالزوال، وأصحهما: أنه لا يعود طهوراً؛ لأنه وإن لم تغلب عليه هذه الأوصاف إلا أنه يكدر الماء، والكُدُورَةُ من أسباب السّتْرِ، فلا يدري معها أن التغير زائل، أو مَغْلُوبٌ. ووجه بعضهم القول الأول بأن التراب يوافق الماء في الطُّهُورِيةِ فيتعاونان في دَفعِ النَّجَاسَةِ، ولهذا يجمع بينهما في إزالة النجاسة المُغَلَّظَةِ.