الفصل الثاني في الماء الراكد

قال الغزالي: الفَصْلُ الثَّاني في المَاءِ الرَّاكِد وَالقَلِيلُ مِنْهُ يَنْجُسُ بِمُلاَقاةِ النَّجَاسَةِ وَإِنْ لَم يَتَغَيَّرْ، وَالكَثِيرُ لاَ يَنْجُسُ إلاَّ إِذَا تَغَيَّرَ وَلَوْ تَغَيّرًا يَسِيرًا فَإِنْ زَالَ التَّغيُّرُ بِطُولِ المُكْثِ عَادَ طَهُورًا، وَإنْ زَالَ بِطَرْحِ المِسْكِ وَالزَّعْفَرانِ فَلاَ، وَإِنْ زَالَ بِطَرْحِ التُّرَابِ فَقَوْلاَنِ لِلتَّرَدُدِ فِي أنَّهُ مُزِيلٌ أوْ سَاتِرٌ.

قال الرافعي: والماء قسمان: راكد وجار وبينهما بعض الاختلافات في كيفية قبول النجاسة وزوالها فلا بد من التمييز بينهما. أما الراكد فينقسم إلى قليل وكثير. وسيأتي معناهما. أما القليل فينجس بملاقاة النجاسة تغيّر بها أم لا، روى أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا بَلَغَ المَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِل خَبَثاً" (?) وُيرْوَى "نَجِساً".

والمعنى أنه يدفعه ولا يقْبلُه فدل أن ما دون القُلَّتَيْنِ يقبله، وقد استوى حكم القليل والكثير عند التغير فيرجع الفرق إلى النجاسة من غير التغير، ويدل عليه أنه يستحب غسل اليدين للمستيقظ من النوم قبل إدخالهما الأواني، وفي الخبر تعليل ذلك باحتمال النجاسة، وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-:" فَإنَّهُ لاَ يَدْرِي أَينَ بَاتَتْ يَدُهُ" (?). ولولا أن نفي النجاسة يؤثر في الماء القليل، لما كان لهذا الاستحباب معنى وقال مالك: لا ينجس القليل إلا بالتغير كالكثير، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "خُلِقَ المَاءُ طَهُورًا لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إِلاَّ مَا غُيّرَ طَعْمَهُ أَوْ رِيْحَه" (?) واختاره القاضي الرُّوَيانيُّ في الحِلْيَةِ، والشافعي -رضي الله عنه- حمل هذا الخبر على الكثير؛ لأنه ورد في بِئْرِ بُضَاعَةَ وكان ماؤها كثيرًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015