يطأ الإِنسانُ مملوكته، وتحْبَلَ منْه، ولا تفسير أمَّ ولد له، فحكم بثبوت النَّسَب والاستيلاد مع القَوْل بوجُوب الحد، وطرد هذا القائلُ كلامه في إيلاد جارية الابن، والظاهرُ الأولُ، وفي إيلاد أحد الشريكَيْن الجاريةَ المشتركةَ يَثْبُت الاستيلادُ والنسبُ، وإن طرد القول القديم، وقيل بوجوب الحدِّ؛ لأن وطأه يصادف ملكه وملْكَ غيره حقيقةً، فكانَتِ الشبهةُ أقوَى تمَكُّناً، وإنَّما أوجبنا الحدَّ صيانةً لِمِلْك الغير، وأما إذا قلْنا: إنه لا حدَّ عليه، فهو كما لو كان جاهلاً، فيلزمه المَهْر، وتكون الجاريةُ محرمةً عليهما أبداً، وإذا أولَدَها، فإن كانت مستولَدةَ الابن، لم تَصِيرْ مستولدةً له؛ لأنَّ أمَّ الولد لا تقبل النقل، وإن لم تكن مستولدةً له، فَهَلَ تَصِيرُ مُستَوْلَدَةَ الأَبِ فِيهِ الْقَولاَنِ المذْكُوران في الحالَةِ الأولَى بتفريعها.

وقوله في الكتاب "ملكها الأب بالاستيلاد" أي: إذا فرَّعنا على القَوْل الأظْهَر في الحالة الأولَى، ولو وطئ الأبُ مكاتبة ابنه وأولَدَها، فوجهان:

أحدهما: أنها لا تصيرُ مستولَدة له لأنَّ المكاتبة أَيْضاً لا تنتقل من مالك إلى مالك.

والثَّاني: تصيرُ مستولَدةً؛ لأن الكتابة تَقْبَل الفسخ بخلاف الاستيلاد، وهذا أصح عند صاحب "التهذيب" والأول هو الذي أورده القاضي أبو سَعْدٍ الهَرَوِيُّ، قال: ولَيْس هذا كما إِذا استولدت مكاتبته، حيْثُ ينفذ الاستيلادُ؛ لأنه لا نقل هناك، ولا تحتاج إلَى فسخ الكتَابَة، بل الكتابةُ والاستيلادُ يجتمعان ولا منافاة.

فَرْعٌ: لو كانتُ جارية الابنِ منكوحَة الغَيْر، وأولَدِها الأب، جرى القولان في ثُبُوت الاستيلاد، ويستمرُّ النكاح، وإن أثبتناه، كما لو استولَدَها سَيِّدها، ولا يجُوز للزَّوْج غشيانها في مدَّة الحمل، هذا تمام الكلام في وطء الأب جاريةَ الابْن.

ولو وطئ الابْنُ جاريةَ الأب، فهو كما لو وطئ الأَجنبيُّ، فإن كان بشبهة، نُظر؛ إن ظَنَّها، أمته أو زوجته الحرَّة، فالولدُ حرٌّ، وعليه قيمته للأب، وإن ظنَّها زوجته الرقيقَة، فينعقد الولدُ رقيقاً، ثم يعتقُ على الجدِّ، ولا يجب علَى الابن قيمته، وإنْ وطئها عالماً بالتحريم، فهو زناً يتعلَّق به الحدُّ بخلاف وطء الأب جاريةَ الابْن؛ لأنَّ له في مال الابن شبهة الإعفاف، [ولا ينعكس] (?) وليس هذا كالسَّرقةِ، حيث لا يجبُ القطْع، سواءٌ سرق الأب مالَ الابن، أو الابْنُ مالَ الأبِ؛ لأن شبهة وجُوبِ النفقة تشْمَل الطرفَيْن، ويجبُ على الابن المهر، إن كانت مكرهة، فإن كانت مطاوعةً، لم يجب على أصح الوجهين، فلو أتتْ بولدٍ، فهو رقيقٌ للأب، ولا يعتق عليه؛ لأنه لا نسب له، والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015