والثاني: يضمن، والفرق أنَّ الغِنَى مما يخفَى، ويعسر الوقوف على حقيقته، وسائر الصفات يمكن الوقوف عليها، فكان مقصِّراً بترك البحث، ولأن سائر الصفات أشدُّ منافاةً للزكاة من الغِنَى؛ لأن الكافر والعبد والهاشِميَّ لا يعطَوْنَ بحال، والغَنِيُّ يعطي بالغزْوِ وغيره، ومنهم من قطع بالقول الأول، وحكى الحَنَّاطيُّ قطع آخرين بالثاني، ولو دفع المالك بنفسه، ثم بأن أن المدفوع إليه كافر أو عبد أو من ذوي القربى، لم يسقط (?) الفرض.

وفيه وجه ضعيف، وإنْ بَانَ غنيّاً، فقولان:

أحدها: وبه قال أبو حنيفة -رحمه الله-: يسقط؛ لأن الغِنَى لا يتحقَّق، فيتعذَّر؛ كما لو دفع للإمام.

وأصحهما: المنع؛ لأنه دفع ما عليه من الحق إلَى غير مستحِقِّه، فيضمن؛ كالدَّيْن يدفعه إلى غير مستحِقِّه، وليس كالإمام، فإنه نائب الفقراء وأمينُهم.

وأيضاً: فالمالك بسبيل من أنْ يدفعه إلى الإمام، فتبرأ ذمته بِيقينٍ، والإمامُ بخلافه، وإذا لم يسقطِ الفرضُ، فإن كان قد ذكر أن المدفوع زكاةٌ، استرد إن كان باقياً، وغرِّم المدفوعُ إليه، إن كان هالكاً، ويتعلَّق بذمة العبد، إن بأن المدفوعُ إليه عبداً، وإن لم يذكر أنه زكاة، لم يستردَّ، ولا غرم، بخلافِ الإمام يستردُّ مطلقاً؛ لأن ما يفرقه الإمام يستردُّ مطلقاً؛ لأن ما يفرِّقه الإمام على الأصناف هو الزكاةُ غالباً، وغيره قد يتطوَّع بالصدقة، وهكذا فرَّقوا بينهما، والحكم في الكفارة إذا بَانَ المدفوعُ إليه غير مستحِقٍّ؛ كما في الزكاة.

ومتَى يستحق أهلُ السُّهْمان الزكاةَ قال الشافعيُّ -رضي الله عنه-: "يستحقُّون يوم القسمة إلا العامل، فإنه يستحقُّ بالعمل"، وذكر في موضع آخر؛ "أنهم يستحِقُّون يوم الوجوب"، قال الأصحاب: وليس في المسألةِ اختلافُ قولٍ، لكن النصَّ الثاني محمولٌ على ما إذا لم يكنْ في البلد إلا ثلاثةٌ أو أقلُّ، ومنعنا نقل الصدقة، فيستحقُّون يوم الوجوب؛ حتى لو مات واحدٌ منهم، دفع نصيبه إلى ورثته، وإن غاب، أو أيسر، فحقه بحاله، وإن قدم غريبٌ، لم يشاركهم، والنصُّ الأول محمولٌ على ما إذا لم يكونوا محصورِينَ في ثلاثة، أو كانوا محصُورِينَ، وجوَّزنا نقْلَ الصدقات، فيستحقُّون بالقسمة حتَّى لا حقَّ لمن مات، أو غاب، أو، أيسر بعْدَ الوجوب، وقبل القِسْمَة، وإن قدم غريبٌ، شاركهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015