فإن أخذ، ولم يخرج، فقد ذكرنا أنه يستردُّ، فإن مات في الطريق، أو امتنع من الغزو، استرد ما بقي، وإنْ غَزَا ورجع، وعنده بقية، فإن لم يقتِّر على نفسه، وكان الباقي شيئاً صالحاً، فكذلك الجواب؛ لأنه تبين أن المعطَى فوق الحاجة، وأنه أخطأ في الاجتهاد، وإن قتَّر على نفسه، أو لم يقتِّر إلاَّ أنَّ الباقي شيءٌ يسير، فلا يستردُّ وفي مثله في ابن السبيل يستردُّ على المشهور؛ لأنا دفعْنَا إلى الغازِي ما يكفيه؛ لحاجتنا إليه، وقد تحصلنا على العوض، لَمَّا غزا، وابن السبيل إنما يدفع إليه لحاجته، فإذا تم السفر، فقد زالت حاجته، ولم يتحصل منه على عوض، فيدفع الباقي إلى محتاج، وفي ابن السبيل وجه آخر؛ أنه لا يسترد منه أيضاً، وهذا أبداه الحَنَّاطيُّ احتمالاً، ونسبه الشيخ أبو الفرج إلى النصِّ.
فَرْعٌ: في بعض شروح المفتاح: أنَّه يأخذ نفقته ونفقة عياله ذَهَاباً ومُقَاماً ورجوعاً وسكت المعظم عن نفقة العيال (?)، لكن تجويز أحدهما ليس ببعيد؛ أليس ينظر في استطاعة الحجِّ إِلى نفقة العيال؛ حتى يعتبر استغناؤه لعياله؛ كما يعتبر استغناؤه لنفسه، كذلك يجوز أن ينظر إِليها هاهنا؛ حتى يستغنى بما يأخذ لعياله؛ كما يستغنى لنفسه.
وقوله في الكتاب: "والغَازِي يُعْطي الفَرسَ والسلاحَ عاريَّةَ أو تمليكاً أو وقفاً ممَّا وقَفَه الإمامُ بعد أنِ اشْتراهُ بهذا السَّهْم"؛ أراد أن الأمر فيه موكولٌ إلى رأي الإمام، إن شاء أعطاه الفرس والسلاح تملكاً، وإن شاء استأجره له، وله أن يشتري أفراساً، ويجعلها وقفاً في سبيل الله فيعيرهم إيَّاها عند الحاجة فإذا انقضت استردتْ.
وذكر الحَنَّاطِيُّ وجهاً آخر؛ أنه لا يجوز أنْ يشتري لهم الفرس والسلاح قبل وصول المال إليهم، وهذا قضية ما في تعليق الشيخ أبي حامد -رحمه الله- ثم في قوله: "عارية أو تمليكاً أو وقفاً" نظر من جهة اللفظ، وذلك لأنه لا يعطيه وقفاً بحال، وإنما يملكه ما اشتراه، أو يعيره مما اشتراه ووقَفَه، فليس الوقف قسماً، والعاريَّة قسماً، بل إذا جوزنا الشراء، يشتري ويقف ثم يُعِيره.
أما من يؤلف قلبه، فيعطي ما يراه الإمامُ، قال المسعوديُّ: "يجعله عَلَى قدر كفايتهم وكلفتهم".
وأما العاملُ: فاستحقاقه بالعمل؛ حتى لو حمل أرباب الأموال زكاتهم إلى وَالِي البلدة، أو إلى الإمام، فهل أنْ يأتيهم العامل، فلا شيء للعامل، وإذا كان الاستحقاق بالعمل، فالمدفوع إليه أجرة المثل لعمله ثم الإمام يخير بعد بعث السعاة بَيْنَ أن يبعث من غير شرط، ثم يعطى المبعوث أجرة مثل عمله، وبين أن يُسَمِّيَ له ما يكون قدْرَ أجرته على سبيل الإجارة أو الجَعَالة، ثم يؤديه من الزكاة، ولا يسمِّي له أكثر من أجْرة