قَالَ الْغَزَالِيُّ: العَاقِبَةُ الثَّانِيَةُ رَدُّ العَيْنِ عِنْدَ بَقَائِهِ وَهُوَ وَاجِبٌ مَهْمَا طَلَبَ المَالِكُ، فَإِنْ أَخَّرَ بِغَيْرِ عُذْرٍ ضَمِنَ، وَإِنْ أَخَّرَ لاِسْتِتْمَامِ غَرَضِ نَفْسِهِ بِأَنْ كَانَ فِي حَمَّامٍ أَوْ عَلَى طَعَامٍ، جَازَ بِشَرْطِ سَلاَمَةِ العَاقِبَةِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: تكلَّمنا فيما إِذا آل أَمْر الوديعةِ إلَى الهلاك في يَدِ المودَعِ، فأما إذا كانت باقيةً، فعلَى المودَعِ الردُّ، إِذا طَلَبَ المالكُ، وليس المرادُ أَنَّه يجبُ علَيْه مباشرةُ الرَّدِّ، أَو تحمُّل مؤنته، بلَ هِيَ على المالكِ، والذي يجب على المودَعِ رفْعُ اليدِ عنه، والتخليةُ بين المالك ومالِهِ، فإن أَخَّر من غيرُ عُذْر، دخلَتِ الوديعةُ في ضمانه، والتحق ذلك بما مَرَّ من أسباب التقصير، وإِن كان هناك عذر لا يمكن قطْعُه أَو بعَسَّر بأن كان طالبه في جنح الليل، والوَدِيعةُ في خزانةٍ لا يتأتَّى فتح بابها في الوقْتِ أو كان مشغولاً بصلاة، أَو قضاء حاجة، أو طهَارَةٍ، أو في حمامٍ، أو على طعام، فأَخَّرَ؛ حتَّى يفرّغ، أو كان ملازماً لغريمٍ يخافُ هربه أو كان يجيء المَطَر والوديعة فيً البيت، فأخَّر؛ حتَّى يقلع ويرجع إِلى البَيْت، وما أَشبه ذلك، فهو جائزٌ، لا محالة، ثم المذكورُ في "التتمة": أَنه لا يضْمَن، لو تلفت الوديعةُ في تلك الحالة؛ لأَنه لا يعدُّ مقصِّراً بهذا التأخِير، وهذا قضيةُ إِيراد "التهذيب" ولفظ صاحب الكتاب في "الوسيط" يُشْعِر بتفصيلٍ، وهو أنه إِن كان التأخيرُ لتعذُّر الوصولِ إِلى الوديعةِ، فلا ضمانَ، وإِن كان لعُسْرٍ يلحَقُه، وغرضِ يفوته، فيضمن (?).
وقد ذكر القسم الثانِي في الكتاب، فقال: "وإن أخَّر؛ لاستتمام غَرَضِ نفسْهِ؛ بأن كان في حمامٍ أَو على طعامٍ إلى آخره.
وقوله: "جاز، بشرط سلامة العاقبة" لفظٌ يكثر استعمالُهُ في مثل هذا المقام، وليس المراد منه اشتراطَ السلامةِ في نَفْس الجواز؛ حتَّى إِذا لم تَسْلِم الوديعةُ، يتبين عدم الجواز، وكيف والسلامة أو عدُمها تتبين أجزاء، ونحن نجوز له التأخِير في الحال، ولكن المراد أَنَّا نجوِّز له التأخير، ونشترط عليه التزامَ خَطَر الضمان.
ولو قَالَ المودَعُ: لا أردُّ؛ حتَّى يشهد المالك أَنَّه قبضَ، هَلْ له ذلك؟ فيه ثلاثةُ أوجهٍ، سبق ذكْرها في "الوكالة" ووجه رابعٌ، وهو أنه إن أشهد عليه المالك عنْد الإِيداع، فله أَيضاً طلَبُ الإشهاد عند الرد؛ ليدفع التهمةَ عن نَفْسِهِ، وإلاَّ، فلا، ويشترط أنْ يكوَنَ المردُودُ عليه أَهلَاً للقَبْضِ، فلو حَجَر علَيْه بالسفه، أو كان نائماً، فوضعه في يده، لم يَجُزْ، ولو أَودع جماعةً مَالاً وذكروا، أَنه مشتركٌ بينهم، ثم جاء بعضُهُمْ يطلبه،