جوابِ سؤالِ غير المالك، سواءٌ جرَى ذلك بحُضُور المَالِكِ أو في غيبته، فلا يضمن؛ لأنَّ الوديعة يسْعَى في إخفائها؛ فإنه أقرب إِلى الحفْظِ، وإن طلبها المالكُ، فجحَدَ، فهو خائنٌ ضامنٌ، وإن لم يطلُبْ، لكن قال: لي عندَكَ وديعةٌ، فإن سكت، لم يضْمَنْ، وإن أنكر، فوجهان:
أحدهما: يضمن؛ كما لو جَحَدَ بعْد الطلَبِ.
وأشبههما: لا؛ لأنه لم يمسكْهَا لنفسه؛ بخلاف ما بعد الطَّلَب لأنه قد يعرض له في الإنْكَار والإِخفاء غرض صحيح، ولو قال بعد الجُحُود: كُنْتُ غلطْتُ أَو نَسِيتُ الوديعةَ، فالمنقولُ أنَّه لا يبرأ عن الضمان إِلاَّ أن يصدقه المالك.
الثانية: من أَنكر وديعة ادُّعِيت عليه، صدَّق بيمينه، فلو أقام المدعي بينةً على الإيداع، أو اعترَفَ به المدعى عليه، طُولِبَ بها، فإن ادعَى ردَّها أَو تلفَهَا بعْدَ الجحودِ أَو قَبْلَه، نِظِرَ في صيغة جحودِهِ: إِن أنكر أصْلَ الإيداع، لم يصدَّق في دعْوَى الردِّ، لتناقض كلاَميْهِ، وظهورِ خيانَتِهِ، وأما في دعوى التَّلفَ، فيصدَّق لكنه كالغاصِبِ، فيلزمه الضمان، وهَلْ يتمكَّن من تحليف المالك؟ وَهَلْ تسمعُ بينته عَلَى ما يدَّعِيه من الردِّ أو التَّلَف؟ فيه وجهان:
أَحدهما: المنع، لأنه بإنكارِ أصْلِ الإيدَاعِ مكِّذبٌ لقوله الثَّاني، وللشُّهُود.
وأظهرهما: ويحْكَى عن اختيار القَفَّال، والشيخ أبي عليٍّ: أنها تسمع؛ لأنه ربما كان ناسياً، ثم تذكر الوديعةَ، والردَّ، وهذا كما لو ادَّعَى، وقال: لا بينةَ لِي، ثم جاء ببينةٍ، تُسْمَعُ، فعلَى هذا؛ إن قامتِ البينةُ علَى الرد أو على الهلاك قبَل الجُحُود، سقطَتِ المطالبة، وإن قامَتْ على الهلاك بعد الجُحُود، ضمن لخيانته.
واعلم أنَّا حكينا في ألفاظ المرابحةِ، إِذا قال: اشتريتُ بمائةٍ، ثم قال: اشتريتُ بمائةٍ وخمسين: أن الأصحابَ فَرَّقوا بين أن يذكر وجهاً محتملًا في الغَلَط أَوْ لاَ يذكره، ولم يتعرَّضوا لمثله هاهنا، والتسويةُ بينهما (?) متَّجِهةٌ، وإِن كانت صيغةُ جُحُودة أن ألا يلزمُنِي تسليمُ شيءٍ إِليك، أو مَا لَكَ عنْدِي وديعةٌ، أو شيء، صُدِّق في دعوى الرَّدِّ والتلف؛ لأنها لا تناقض كلامه الأول، فإِن اعترف أنَّه كَانَ باقياً يوم الجحود، لم يصدَّق في دعوى الردِّ إِلاَّ ببينة، وإِن ادعى الهَلَاك، فهو كالغاصِبِ، إذا ادَّعاه، فالمذهَبُ أنَّه يصدَّق بيمينه، ويؤخَذُ منه الضمان.