الظَّالِمُ فَعَلَيهِ أنْ يُخْفِيَ، وَلاَ بَأْسَ أنْ يَخلُفَ كَاذِبَاً لِلْمَصْلَحَةِ، فَإِنْ خَيَّرَ بَيْنَ الحَلِفِ بالطَّلاَقِ أَوِ التَّسْلِيمِ فَإِنْ سَلَّمَ ضَمِنَ، وَإِنْ حَلَفَ طُلِّقَتْ زَوجَتُهُ لِأَنَّ الخِيَارَ فِي التَّعْيِينِ إِلَيْه.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: مِنْ أسباب التَقْصيرِ التضْيِيعُ، فإنَّ المودَعَ مأمورٌ بحفْظِ الوديعةِ، حيثُ يكونُ حرزاً لمثْلِها وبالتَحرُّز عن أسباب التَّلَفَ، فلو أخر إحرازَهَا مع الإمكان، ضمن، ولو جعَلَها في مضْيَعَةٍ أو في غيرِ حِرْزٍ مثلها، فكلذلك، ولو جعلها في أحْرَزَ من حرزٍ مثلها، ثم نَقَلَها إِلَى حرزِ المثلِ، فلا بأس، إذا عُرِفَ ذلك، ففيه صورٌ:
الأولَى: لو سعَى بالوديعة إلَى من يصادِرُ المالك، ويأخذ أموالَهُ، ضمنها؛ بخَلافِ ما إذا كانَتِ السعايةُ من غير المودَعِ، فإنه لم يلتزم الحفْظَ، ولو أخبر اللصوصَ بالوديعة، فسرقوا؛ إِن عَين الموضِعَ، ضمن، وإلا فلا، وكذلك فَصَّل صاحب "التهذيب" وقد يُشْعِر به لَفْظُ الكتاب؛ حيثُ قال: أو يَدُل عليه سارقاً.
الثانية: لو ضيَّع الوديعةَ بالنِّسيان.
فأحد الوجهين: أنه لا يَضْمَن؛ لأن الناسِيَ غير متعدٍّ، والمودع إنَّما يضمن بالتعدِّي.
والثاني: يضمن؛ لأن التضْييع سَبَبُ التقصير، فيستوي فيه النِّسْيان وغيره، كالإتلاف، وبالأوَّل أجاب بَعْضُ الَمتأخِّرين، ونسب إِلَى الخضريِّ؛ لأنه سُئِلَ عن امرأةٍ، سلمت خلخالَهَا إلَى زوجها، ليدفعه إلَى صائغٍ، فدفعه، ونَسِيَ الصائغ، فقال: إن أشهد لم يضمن، وإلاَّ ضَمِن، لكن الأشبه رجَحانُ الثاني لأنه نصَّ في "عيون المسائل": أنَّه إذا أودعه إناءَ من قوارير، فأخذه المستودعُ بيده، ليُحْرِزُه في منزِلِهِ، فأصابه شيء من غيرِ فعْلِهِ، فانكسر، لم يضمن، ولو أصابَهُ بفعْلِه مُخْطِئاً أو عامِداً قَبْل أن يصيرَ إِلَى البَيْت أو بَعْدَ ما صار إِلَيْه، فهُوَ ضامنٌ، والخطأ والنسيانُ يجريان مجْرَى واحداً وأيضاً: فإن أبا سعد المتولَّي -رحمه الله- ذكر أنَّ الوجّهَيْن في النسيان مبنيَّانِ عَلَى أنَّ المأمور بالفِعْل، إذا تركه ناسياً، هل يعدُّ مفرطاً، كما لو نَسِيَ الماء في رَحْلِهِ وتيَمَّم، هل يقضي الصلاةَ؟ فيه قولان، والظاهرُ في ذلك الأصْل وجوب القضاء، ولأنه ذكروا أنه لو انتفع بالودِيعَةِ، ثم ادَّعى الغلَطَ، وقال: ظننته مِلْكي، لا يُصَدَّق، ومعلومٌ أن هذا احتمالٌ قريبٌ، وكأن الجوابَ مبنىٌّ على أنَّ الغَلَط غيرُ دافِعٍ للضمان.
الثالثة: إذا أخذ الظالِمُ الوديعةَ قَهْراً، فلا ضمانَ عَلَى المُودَع، كما لو سُرِقَتْ منه، وإن أكرهه؛ حتى سلَّمها بنَفْسِه، فللمالِكِ مطالبةُ الظالِمِ بالضَّماَن، ولا رجوعَ له، إذا غرم، وهَلْ يطالب المودَعَ؟ فيه وجهان: