أحدهما: أنه لا يضمن؛ لأنه إذا كان فَوْق الصندوق، يطلع على الجَوَانِب كلِّها، فيكون أبلغ في الحفْظِ.
وأظهرهما: وهو المذكورُ في الكتاب: أنه يضمن؛ لأنَّه إذَا رقَدَ علَيْه، فقد أخلى جنْب الصندوق، وربما لم يتمكَّن السارقُ من الأَخذ، لو كان بجَنْبه، وإِنما يظْهَر هذا، إذا فرض الأخْذ من الجانب الَّذي لو لم يرقُدْ عليه، لكان يرقُدُ هناك، وذلك بأنْ كان يرقُدُ قُدَّام الصندوق، فتركه فانْتهَزَ السارق الفرصَة، أو قال المالِكُ: أرقد قُدَّامه، فرقد عليه، فأخد السارقُ المالَ من قُدَّامه، وقد تعرض لهذا القَيْد متعرَّضون.
وقوله في الكتاب "فقد زاد خيراً" في بعض النُّسَخ: "فقد زاد حِرْزاً" وهو لفظ الشافعيِّ -رضي الله عنه-.
وقوله: "فلا يضمن" مُعْلَمٌ بالواو والميم.
وقوله: "يضمن" بالواو، وقوله: "لأن مثل هذه المخالفة جائزةٌ، بشرط سلامة العاقبة" يعني به ما بينا أنه لا بأس بالعُدُول من جِهَةِ حفْظٍ إِلَى مثلها، لكن لو أفضَى المَعْدُول إلَيْه إِلى التلف، وجب الضَّمَان وإذا أمره بدَفْنِ الوديعة في بَيْته. وقال: لا تَبْنِ عليه، فبنَى، فهو كما لو قال: لا ترقُدْ علَيْه فرقد، ثم هو عند الاسترداد منقوض غير مغروم على المالك، كما لو نقل الوديعة عند الضرورة لا يرجع بالكراءِ على المالك؛ لأنه متطوع، نصَّ عليه في "عيون المسائل".
الثانية: إذا سلم إلَيْه دراهم، أو غيرها، وقال: اربطْهَا في كُمِّكَ، فأمْسَكَها في يده، فالنصُّ في "المختصر": أنه لا ضمان، وعن رواية الربيع -رحمه الله-: أنه يضمن، وحكى العراقيِّون وغيرهم فيها طريقَيْن:
أحدهما: إن المسألة عَلَى قولَيْن: وجْهُ الأول: أن اليد أحرزُ من الكُمِّ لأنَّ الطَّرَّاز يَأخُذ من الكم، ولا يتمكَّن من الأَخد من اليد، ووجه الثاني: أنَّ ما في اليد يضيعُ بالنِّسْيَان، وَبَسْطِ اليدِ، وما في الكم لا يضيع.
وأصحُّهما: تنزيل النَّصيَّن على حالَتَيْن، وفيه طريقان:
أحدهما: أنه، إنْ لم يَرْبِطْها في الكُمِّ، واقتصر على الإِمْسَاك باليد، ضمن، كما نقله الرَّبيع، وروايةُ المزنىِّ محمولةٌ عَلَى ما إذا أمسك باليد بَعْدَ الربط في الكم.
وأصحُّهما: وهو المذكورُ في الكتاب، واختارَهُ الشَّيْخ أبو حامد: أنَّ رواية المُزَنِيِّ محمولةٌ على ما إذا تلفت بأخْذِ غاصبٍ، فلا يضمن؛ لأنَّ اليَدَ أحرزُ بالإضافة إليه، وإن سقطت بنوم، أو نسيان، ضَمِنَ؛ لأنها لو كانَتْ مربوطةً في الكم، ما ضاعت بهَذَا السَّبَب، فالتَّلَف حَصَل بسبب المخالَفَة، ولفظ النَّصِّ في "عيون المسائل" مصرِّح بهذا